ارشيف من :آراء وتحليلات

جدل في تونس حول تبرئة مسؤولين كبار سابقين

جدل في تونس حول تبرئة مسؤولين كبار سابقين

لا حديث في تونس هذه الأيام إلا عن الأحكام الصادرة عن محكمة الإستئناف العسكرية والمتعلقة بقضايا شهداء وجرحى الثورة. حيث قضت المحكمة بتبرئة رفيق الحاج قاسم وزير الداخلية الأسبق في عهد زين العابدين بن علي ومدير الحرس الرئاسي الجنرال علي السرياطي، وكلاهما كانا قابعين في السجن منذ أن غادرت طائرة بن علي أرض الخضراء باتجاه المملكة العربية السعودية.


بالمقابل فقد قضت المحكمة بالسجن المؤبد بحق الرئيس المطاح به زين العابدين بن علي في عدد من القضايا اعتبر مسؤولا مباشرا فيها عن إعطاء الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين. وقد لاقت هذه الأحكام جدلا واسعا لدى الرأي العام وانقسم بشأنها الشارع.

ثورة مضادة

فريق من التونسيين اعتبر أن هذه الأحكام غير منصفة بحق شهداء وجرحى الثورة، واتهم هذا "الفريق" القضاء العسكري بعدم النزاهة والحيادية وبالخضوع لبارونات الثورة المضادة. ورأى هؤلاء أن النظام القديم بصدد العودة للهيمنة على مفاصل الدولة وهو المتغلغل فيما يسمى "الإدارة العميقة" المتهمة بأنها التي أعاقت نجاح حركة النهضة في الحكم. ورأى هؤلاء أيضا بأن الحكم بالسجن المؤبد على زين العابدين بن علي ما هو إلا ذر رماد في العيون للإفراج على علي السرياطي ورفيق الحاج قاسم، باعتبار أن الرئيس الأسبق خارج أرض الوطن ولن يقضي العقوبة السجنية المحكوم بها.

وتتبنى هذا الطرح حركة النهضة والأحزاب الموالية لها فيما كان يعرف بالترويكا الحاكمة التي سلمت مقاليد الأمور في البلاد إلى حكومة تكنوقراط بعد ضغط شعبي استمر لأشهر بعد اغتيال النائب عن التيار القومي محمد البراهمي. ويذهب بعض المقربين من هذا الفريق إلى حد الدعوة إلى إنشاء محاكم استثنائية تتولى النظر في قضايا شهداء وجرحى الثورة وعدم انتظار مسار العدالة الإنتقالية الذي قد يمتد لسنوات. ودعت جمعيات محسوبة على الترويكا السابقة إلى التظاهر أمام المحاكم تنديدا بما صدر من أحكام.

احترام القضاء


بالمقابل فإن فريقا آخر من التونسيين دعا إلى احترام قرارات القضاء ورحب بعملية الإفراج عن وزير الداخلية الأسبق ومدير الأمن الرئاسي، الرجل القوي في نظام بن علي. وينتقد هذا الفريق حركة النهضة وحلفاءها ويتهمهم بالإزدواجية، حيث لم تهتم الحركة ـ بحسب هؤلاء ـ بجرحى الثورة وعائلات الشهداء، كما يجب، حين كانت في الحكم، بل تم الإعتداء عليهم بالعنف أمام وزارة حقوق الإنسان والعدالة الإنتقالية من قبل قوات الأمن في عهد حركة النهضة، وتم تفريقهم حين كانوا يطالبون بتسوية وضعياتهم وعلى رأسها الحق في العلاج بالخارج بالنسبة لبعضهم.

وبالتالي فإن الحركة الحاكمة السابقة، بحسب هؤلاء، بصدد الركوب على الحدث واستغلال ملف شهداء وجرحى الثورة لأغراض انتخابية ولكسب بعض النقاط على الخصوم. فرصيد الثقة في هذه الأحزاب قد تآكل بعد سنتين من حكم البلاد وهي بحاجة إلى ملف شهداء وجرحى الثورة لإعادة الألق المفقود، بحسب هؤلاء.

جدل في تونس حول تبرئة مسؤولين كبار سابقين


لغز القناصة


ويؤكد أصحاب هذا الطرح أن القضاء التونسي لم يجد في الملفات التي أمامه ما يدين رفيق الحاج قاسم وعلي السرياطي وآخرين لأن لا علاقة لهم بقتل وجرح شهداء وجرحى الثورة. ويصر هؤلاء على أن تونس شهدت انقلابا عسكريا على زين العابدين بن علي بقيادة الفريق أول رئيس الأركان الأسبق رشيد عمار وبمساعدة جهات أجنبية. لكن الأمن الرئاسي، الذي يديره الجنرال علي السرياطي والذي قبض عليه بقاعدة عسكرية جوية قرب قرطاج بمجرد أن غادرت طائرة بن علي تونس، هو الذي أحبط الإنقلاب بجلب الوزير الأول في ذلك الوقت محمد الغنوشي إلى القصر الرئاسي بقرطاج ليتولى مهام الرئاسة بصورة مؤقتة.

لذلك فالسرياطي هو كنز معلومات رأت جهات وجوب الإحتفاظ به حتى لا يدلي بحقيقة ما شهدته تونس ليلة 14 يناير 2011 والذي بقي لغزا أرق الجميع، شأنه شأن ملف القناصة. حيث شاهد البعض مسلحين ملثمين في سطوح عمارات يصوبون باتجاه المتظاهرين وتم تصوير بعضهم، كما ألقت لجان الحماية الشعبية - المكونة من مواطنين تولوا حماية أنفسهم وممتلكاتهم في تلك الأيام العصيبة - القبض على أشخاص غرباء يحملون جوازات سفر سويدية وأوكرانية وبملامح غربية وكانوا يحملون السلاح، وقيل إنهم سياح أجانب كانوا في جولة صيد وإن لديهم تراخيص ممنوحة من وزارة الداخلية يوم 15 يناير 2011 أي اليوم الموالي لهروب زين العابدين بن علي. وطرح تساؤل في هذا الإطار كيف يمكن لوزارة الداخلية أن تمنح رخص صيد لأجانب والبلاد في حالة فوضى عارمة وانفلات أمني رهيب؟ فحتى موظفوها الذين أوكلت لهم مهمة منح هذه التراخيص يجزم البعض أنهم كانوا في بيوتهم لحماية أنفسهم وعائلاتهم.

لذلك فإن البعض يرى بأن هناك جهة أجنبية هي التي تورطت في إطلاق النار على المتظاهرين للمزيد من توريط النظام، وأن هذه الجهة اتفقت مع جهات تونسية على طي الملف، فقد تم تسليم المشتبه فيهم الأجانب من قبل المواطنين إلى دوريات الجيش التي كانت تجوب البلاد خلال حظر التجوال، ومن يومها لم يسمع التونسيون عن هؤلاء شيئا، وأضناهم البحث عن قتلة أبنائهم في تلك الأيام العصيبة التي سبقت وتلت هروب بن علي.
2014-04-16