ارشيف من :آراء وتحليلات
تداعيات إعفاء بندر بن سلطان
يمكن النظر الى الامر الملكي باعفاء بندر بن سلطان من منصبه كرئيس للاستخبارات العامة من زاويتين: الاولى تتعلق بالادارة السعودية للملف السوري والثانية الصراع على العرش.
فيما يتعلق بسوريا ثبت الامر الملكي التحليل السائد بان المملكة اخفقت في تحقيق ما وعدت به الولايات المتحدة من ان امساكها حصرا بادارة عملية اسقاط النظام السوري واقصاء تركيا وقطر عن هذا الملف كفيل بتحقيق النتائج المطلوبة. الاخفاق السعودي وتخييب أمل الحلفاء تم تظهيره تدريجياً بحسب تسلسل الوقائع. الوقائع الاولى تمثلت بتفاعل الانقسامات السياسية والميدانية بين الفصائل المعارضة والمقاتلة في سوريا وصولاً الى الصراع الدموي بين مختلف المكونات العسكرية وابرزها تنظيما داعش والنصرة، فيما اخفقت تجربة "الجبهة الاسلامية" في تشكيل بديل عسكري لهذين التنظيمين يمسك باكبر مساحة ممكنة من الارض. وهذه الانقسامات لم تبرز بشكلها العنيف الا بعد تولي بندر. اما على المستوى السياسي فلم يشكل احمد الجربا خيارا تتقاطع حوله بقية المكونات والشخصيات السياسية، رغم ما مد به من دعم سعودي، بل كان في الخلاصة خيارا استفزازياً وشخصية كريهة داخل المعارضة تشبه شخصية بندر نفسه.
الصورة الثانية تمثلت بسيل النجاحات الميدانية التي حققها الجيش السوري في مختلف الجبهات وتطهير مساحات كبيرة من تلك التي كانت تسيطر عليها المجموعات المسلحة، واخصها المناطق الممتدة على طول الحدود اللبنانية والتي انتهت الى تنظيف شبه نهائي توج آخرها في منطقة القلمون مع استعادة معلولا والقرى المجاورة بعد السقوط المدوي ليبرود ثم قلعة الحصن في الشمال. وهنا يكمن الاخفاق الجوهري لبندر اذ انه من بين كل المناطق الحدودية بدت المناطق اللبنانية المتاخمة لسوريا بما تشكله من امداد عسكري ولوجستي وبشري وسياسي واعلامي الساحة الافضل لبندر بحكم ارتباطاته القوية بالشخصيات والقوى اللبنانية المتورطة في الحرب لاسقاط الرئيس الاسد. وكان رهان بندر على هذه القوى كبيرا بالمقارنة مع سيطرة تركيا المنافسة له على حدودها وعدم امكان توظيف السعودية للمناطق الحدودية التركية مع سوريا في تفعيل دوره العسكري. اما الحدود الاردنية التي قيل الكثير عن استثمارها في فتح الجبهة الجنوبية فتبين انها فقاعات اعلامية ليس اكثر.
وعليه فان الانقسامات الميدانية بين المجموعات المسلحة التكفيرية وغير التكفيرية ومن ثم الصراعات الدموية بينها توازيها النجاحات الميدانية للجيش السوري اسقطت رهان بندر على نجاحه في ادارة الملف السوري مع ما رتبه على مجمل السياسة الخارجية من اعباء وعداوات نتيجة التورطات التي ترجمت على شكل تفجيرات واعتداءات انتحارية في لبنان تحدثت مصادر سياسية واعلامية وامنية كثيرة عن وقوف بندر وراءها. وتبين ان استثماره في تنظيم القاعدة رغم العداء المعلن بين التنظيم وبين المملكة قد رتب نتائج خطيرة على المصالح السعودية في الخارج.
هذا الاخفاق في الادارة لم يسعفه تذرع الرياض بان اعراض واشنطن عن تنفيذ ضربة عسكرية لسوريا الصيف الماضي ومن ثم ابرام تسوية الكيميائي ثم تسوية النووي الايراني في تقديمها كسبب منطقي للفشل السعودي على الساحة السورية. بل ربما يمكن قول العكس ان فشل الادارة السعودية التي اشرف عليها بندر وبموافقة عليا هي التي دفعت الاميركيين تباعا الى التخلي عن الخيار العسكري ومن ثم الشروع في مؤتمر جنيف وازدياد اسهم الحل السياسي. وما قيل حينها عن خلاف اميركي سعودي بسبب التسوية الكيماوية والتراجع عن الضربة وتحذير بندر بنفسه من عواقب سيئة على العلاقة الاميركية _ السعودية ليس سوى عملية ذر للرماد في العيون، سببها ان السعودية بما تملك من ثقل مالي واعلامي وسياسي لدى المعارضة وقدرة على تحريك الاوراق ورغم ذلك هي التي اخفقت في تحقيق النتائج المطلوبة بل كانت النتائج مدمرة للمعارضة ولخطاب التغيير وللواقع الميداني.
تقول القاعدة التوارثية في المملكة لا يمكن ان تنتقل السلطة من
الاصغر الى الاكبر، وبالتالي فان من سيخلف مقرن سيكون من أحفاد عبد العزيز
وليس من ابنائه |
هذه التحولات ترجمت بروايات غير رسمية عن خروج بندر من المعادلة وايكال الملف السوري الى محمد بن نايف وزير الداخلية لمعالجة اثاره المرتقبة على الامن الداخلي السعودي. قيل كثيرا عن فترة نقاهة لبندر بعد عملية جراحة في الولايات المتحدة، لكن احداً لم يصدق هذه الروايات وهو يشهد سلوكاً سعودياً يتضمن اعترافاً ضمنيا بالاخفاق في سوريا.
كان المتوقع ان تحسم زيارة الرئيس الاميركي باراك اوباما الجدل بشان دور بندر وما اذا كان تم اقصاؤه من الادارة السعودية كلياً، وكان الرهان على ما اذا كان سيشارك في المحادثات التي سيجريها اوباما في الرياض مع الملك عبد الله وكبار المسؤولين. ولما لم يحضر ُقطع الشك باليقين بان دور الرجل انتهى، لكن مع بقاء شعرة معاوية موجودة في التحليلات خصوصاً بعيد تعيين الامير مقرن بن عبد العزيز ولياً لولي العهد وملكا في حال شغور المنصبين. حينها قيل ان مقرن هو صديق لابن اخيه بندر وانه هو من اعاده الى الحياة العامة بعد اقصائه عنها، حيث تولى في تموز عام 2012 رئاسة الاستخبارات العامة بدعم من مقرن. راود الشك البعض بأن تعويم مقرن قد يتضمن تسامحا مع بندر. لكن الامر الملكي باعفاء بندر من منصبه وضع حداً لكل التكهنات باعتبار هذا الامر هو قرار الاعدام السياسي لبندر من خلال اخراجه واخوته من معادلة السلطة، بعد اعفاء خالد بن سلطان من منصب نائب وزير الدفاع، ولم يبق سوى سلمان بن سلطان كنائبٍ لوزير الدفاع، لكن مع توقعات قريبة بخروجه لا سيما وانه كان يساعد اخاه بندر في ادارة الملف السوري، وبالتالي فقد خرج الاثنان معا من هذا الملف.
رئاسة الاستخبارات العامة اخرجت من العائلة الحاكمة واوكلت الى الفريق
الادريسي، وبالتالي أقصيت كجهاز عن التأثير لصالح اي مرشح منافس للامير
متعب |
وقد كان لافتا في الأمر الملكي أن رئاسة الاستخبارات العامة قد اخرجت من العائلة الحاكمة واوكلت الى الفريق الادريسي، وبالتالي أقصيت كجهاز عن التأثير لصالح اي مرشح منافس للامير متعب، مع ضمها ايضاً الى الاجهزة التي يمكن أن تلعب دوراً اساسياً في حماية متعب ونزع الالغام من طريق وصوله الى العرش، تماماً كما تقطع الطريق على من يتولاها من العائلة من مد خطوط خارجية مع الدول المؤثرة في الصراع على الحكم في المملكة، كما يفعل محمد بن نايف حاليا من خلال تفضيله كخيار اميركي على سواه.
ماذا بعد القرار؟ هل يقبل ابناء عبد العزيز وبقية احفاده بتفرد الملك عبد الله في نقل السلطة الى اولاده واستبعاد الاخرين، خصوصا بعد النعي الرسمي لهيئة البيعة ودورها في هذا المجال؟ هل تلعب المؤثرات الخارجية ادوارها؟ هل سيؤدي اعفاء بندر الى ترجمات ايجابية في السياسة الخارجية السعودية بعدما لبست في عهده لبوسا امنية بسبب هيمنته على سعود الفيصل وكبر سن الاخير؟ هل تتحسن العلاقات الايرانية السعودية تحديداً؟ اسئلة كثيرة بعضها اجوبته كامنة في السؤال نفسه وبعضها كامن نفوس المتضررين من الاوامر الملكية.
---------------------------
وكانت قد كشفت وكالة "يونايتد برس" أن بندر إعترف بدوره في محاولة اغتيال المرجع الديني اللبناني الراحل السيد محمد حسين فضل الله في الثامن من آذار 1985 حين تم تفجير سيارة مفخخة في المصلين أثناء خروجهم من مسجد الامام الرضا عليه السلام في بئر العبد مما أدى إلى استشهاد ثمانين مدنيا بينهم أربعون امرأة وإصابة أكثر من مئتين بجراح.
كما كشف كل من مدير تحرير صحيفة الـ"واشنطن بوست" السابق بوب وودورد والكاتب البريطاني ويليام سمبسون تورط بندر في محاولة الاغتيال.