ارشيف من :خاص

عن حمزة الطالب والصحفي والشاعر..

عن حمزة الطالب والصحفي والشاعر..
لم تكن تعلم والدة الشهيد حمزة الحاج حسن أن ابنها البكر ستزفه شهيداً قبل أن تراه عريساً. زفاف حمزة كان أمنيتها، هكذا  قالت. منذ مدة جمعتني بها صُدفة في منزل الزميل حسن حمزة. سألتها حينها والدته متى ستزوجين حمزة؟ نظرت الى ابنها  البار نظرة المتلهف الى تلك اللحظة. أجابتها بابتسامة شفافة وصوت رقيق " هذه أمنيتي". ردّ حمزة على الابتسامة بأحسن  منها، وكأنّه يعلم أنّ والدته ستزفه قريباً في عرس مهيب ولكن شهيداً...

لم تكن العلاقة بين حمزة وأمه علاقة "عادية". كانت الأم والأخت والصديقة. هذه الأم التي لطالما رسمت الابتسامة على محياه هي نفسها التي غيّبتها في بعض الأيام. مرضها أصاب قلب الشاعر. آلمه، أحزنه، جعله عاجزاً، يتمنى فعل أي شيء  كرمى لعينيها. في الفترة الأخيرة همدت ابتسامة الشهيد حمزة. الضحوك على غير عادته، والنشيط، يتأخر عن العمل. فتّش زملاؤه عن السبب. اكتشفوا أنّ ألم الأم غيّب الابتسامة، وتأخره عن العمل كان نتيجه انتظارها لساعات في المستشفى.

عن حمزة الطالب والصحفي والشاعر..

الشهيد حمزة الحاج حسن 

إرادة الحياة التي ميزت حمزة لم تمنعه من إكمال المشوار وإحياء تلك البسمة، هكذا يقول عارفوه. المراسل الشجاع لم يُقصّر  يوماً في أداء واجبه المهني على أكمل وجه. حماسته كانت تسبقه لأداء المهمة. يتحدّث مدير قسم "الأخبار" في تلفزيون  المنار علي الحاج يوسف عن صفات حمزة، عن ابتسامته رفيقة دربه، عن إحساسه المرهف، عن حمزة المثقف والشاعر  المميز، والمراسل النشيط والشجاع. يعز على الحاج يوسف  فراق حمزة المقدام، إلاّ أنّ الإحساس بالألم يمتزج بالشعور بالفخر. المنار كادت أن تستشهد في حرب تموز. هي اعتادت على  الشهداء، وعناصرها مقاومون قبل أن يكونوا صحفيين وحمزة منهم. إعتنق المقاومة قبل أن يكون مراسلاً ونال بشهادته  إحدى الحسنيين "النصر أو الشهادة".

يروي زملاء حمزة في قاعة التحرير في المنار كيف كان الصديق والأخ، وكان المشاكس المنافس. عن شجاعته وأهدافه  الكثيرة، يتحدث زميله حسن حمزة. بالنسبة إليه، لم يكن طموح "الشهيد" عادياً. إنّه مراسل استثنائي بفكره وعمله. الطيبة  أكثر الصفات التي ميزته. لا مكان للحقد في قلبه. يعبّر بعفوية عن كل ما يُزعجه. لطالما أحبّ حمزة المهمات الصعبة. هو  يعشق كل ما هو "صعب" ومليء بالتحدي. هكذا أخبر حسن. حتى أنّه اختار مهنة "الإعلام" على هذا الأساس. بالنسبة لزميل  حمزة "الطموح" أكثر ما يميّزه هو الأهداف المحددة. لم يعمل يوماً بعبثية، بل يُحدّد ماذا يريد وينطلق. والآن انطلق حمزة.  أبدع، خطف كل الأضواء، سبق الجميع، نال ما يريد وفاز بالشهادة".

عن حمزة الطالب والصحفي والشاعر..
الشهيد حمزة الحاج حسن 

ما يقوله حسن يردده زميله علي رسلان. يتحدّث عن حضوره الصباحي بابتسامة وفنجان قهوة حتى "يصحصح" كما ردد  مراراً على مسامع جيرانه في المكتب. عن شغفه بالمطالعة. إنّه مثقف درجة أولى. يستذكر رسلان "المشوار" الذي جمعهما  سوياً الى معرض الكتاب. لم يترك حمزة كتاباً يعتب عليه. كان ينتقي الكتب بعناية. يهتم بكل المواضيع خاصةً الأدبية. إنه  الشاعر المثقف والمميز. بالنسبة لعلي فراق حمزة مؤلم جداً، لا زالت رائحته تفوح في مكتبه المجاور لمكتبي يقولها بحرقة.  إلاّ أنه يفتخر بشهادته، كيف لا وقد أصبح فارس "المنار".

في تشييع الشهيد الزميل عباس كرنيب الذي سقط في تفجير شارع العريض الثاني، عدّد حمزة شهداء المنار، وختم هناك من  ينتظر. لم ينتظر طويلاً، واكب المشوار الأصعب. أحب إيصال الرسالة من قلب الحدث، حيث مقرات الموت في القلمون،  حيث معامل "التفجيرات". أفرحه سقوط معلولا وقبلها رنكوس. اطمأنّ إلى أهله. السيارات المفخخة لن تقتل عباس كرنيب  آخر. قدّم جسده قرباناً على مذبح الحقيقة.

الجميع بكاك يا حمزة. من عرفك ومن لم يعرفك. الجميع يبارك لك بالشهادة. نلت شرف إيصال الرسالة بدمك الطاهر. كنت الطالب والصحفي والشاعر معاً. لم يخطئ حدسك. نلت فخر الشهادة ومضيت. الجميع سيفتقدك. الجميع سينظر إلى دمائك ويُكمل الطريق.

2014-04-16