ارشيف من :آراء وتحليلات

عين أردوغان على الرئاسة بعد الحكومة

عين أردوغان على الرئاسة بعد الحكومة
ربما كان ظل ترشّح رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الى رئاسة الجمهورية، أمراً شبه غامض لو لم تُكشَف وقائع الاجتماع السري الذي عقده حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، يوم الخميس الفائت. فالرغبة الأردوغانية باحتضان الكرسي الأول، ما عادت تحمل الشك، بعد إعلان مسؤولين كبار في الحزب أن غالبية الاعضاء صوتوا في اقتراع سري لصالح ترشح أردوغان في أول انتخابات رئاسية في البلاد في آب/أغسطس المقبل.

نتائج الانتخابات البلدية، التي جرت في 30 آذار/مارس الماضي، منحت أردوغان ثقةً كبيرة لتقديم نفسه كمرشح قوي لرئاسة الجمهورية التي تجري في دورتين، الأولى في 10 آب/أغسطس المقبل، والثانية في 24 منه وفقاً لبيان اللجنة العليا للانتخابات في تركيا.

عين أردوغان على الرئاسة بعد الحكومة

من يحمي غول من "السيوف الأردوغانية"؟

هذا المشهد، يوحي بحرب ناعمة بدأت تظهر بين أردوغان والرئيس الحالي عبد الله غول. فطموح الأخير بولاية جديدة في الرئاسة يحدّها عدم قدرة أردوغان على البقاء في رئاسة الوزراء لولاية ثالثة، ذلك لأن قانون حزب "العدالة والتنمية" يمنع أردوغان من ترشيح نفسه مرة جديدة (مرة ثالثة) الى البرلمان، الطريق الوحيد لترشيح نفسه بعدها لرئاسة الحكومة.

عبد الله غول، المتجنب للصراع، تخوفاً من "السيوف الأردوغانية" الحادة، يفضل هذه المرة ترك كرسيه، والمضيّ بلعبة "بوتين - ميدفيديف". واللافت أن اردوغان كان قد تقدم مؤخراً باقتراح يقضي بتخفيض صلاحيات رئيس الحكومة ومنحها للرئيس التركي، تمهيداً لاستخدامها في حكمه الرئاسي. أما غول فيرتقب من جهته، أن يُعَيّن رئيساً لحزب "العدالة والتنمية" كخطوة "تطيّب من خاطره"، إن صح التعبير.


"خطة بايبورت": هدية أردوغان لغول

يدرك غول أن مضيه في هذه اللعبة توجب عليه اعتزال السياسة لشهرين تقريباً، أي بين الفترة الممتدة بين شهر آب/أغسطس عام 2015 موعد انتخاب الرئيس وحتى تاريخ الانتخابات البرلمانية. إلا في حال بادر اردوغان كرئيس تركي بالدعوة الى إعلان انتخابات برلمانية مبكرة.

وينص القانون التركي على أنه لا يمكن إجراء الانتخابات البرلمانية مبكراً إلا في حالتين، الأولى شغور 5% من المقاعد النيابية على مستوى كل تركيا، أو شغور المقاعد النيابية لمحافظة بكاملها، سواء بالوفاة أو بالاستقالة. ولذلك ستتجه الأنظار حينها الى استقالة نواب محافظة يكونون تابعين اجمعهم الى حزب "العدالة والتنمية"، أو استقالة نائب محافظة "بايبورت" الوحيد الذي ينتمي الى الحزب ايضاً. واستقالة نائب واحد ستكون أسهل على حزب "العدالة والتنمية" من أن يستقيل نواب محافظة بأكملها.

أما التصريحات الأخيرة التي أطلقها الرئيس غول بأنه لن يحسم ترشحه للرئاسة إلا بعد أن يجالس اردوغان ويناقشه في مسألة الرئاسة، فتوضح أن غول لن يخطو أي خطوة قبل أن يحصل على عهد من اردوغان بأن يأتي به رئيساً للحكومة خلفاً له، ولو اضطر لتنفيذ "خطة بايبورت".

عين أردوغان على الرئاسة بعد الحكومة

ماذا عن المعارضة التركية؟

صحيح أن اردوغان عزز موقفه كثيراً في الترشح الى الرئاسة بعد حصول حزبه على ما يقارب الـ 45 % من الأصوات في الانتخابات البلدية، إلا أن من يتابع هذه النتائج، يجد أن قوة اردوغان تكمن في ضعف معارضيه. فالمعارضة التي حصدت 55% من الأصوات قادرة ايضاً على تقديم مرشح قوي في معركة "الكرسي الأول".

رئيس المحكمة الدستورية في تركيا هاشم كيليج مثال على ذلك. فهو يعتبر المرشح الأوفر حظاً، خصوصاً أنه يُعد توافقياً لأحزاب اليمين واليسار، وقد نال ثقة الشارع المعارض، بعد مواقفه الحازمة ضد قوانين مرّرها أردوغان في البرلمان واعترضت عليها المعارضة والمحكمة.

عاملٌ آخر تعوّل عليه المعارضة التركية لإسقاط خطة أردوغان، وهي أن من صوّت لأردوغان في الانتخابات البلدية، كان بدافع دعم الخطط الاقتصادية التي نفذتها الحكومة، لا موافقةً على طريقة حكمه للبلاد وسياسية الخارجية. وقد لا يصوّت هؤلاء المقترعون لأردوغان في الانتخابات المقبلة، خصوصاً إذا استطاعت المعارضة أن تعزز برنامجها بمكافحة الفساد المتورط به رئيس حزب العدالة والتنمية.

وبحسب مراقبين فإن على المعارضة "دعم برامجها بسياسات جديدة منها الوقوف على الحياد في المواضيع الإقليمية، خصوصاً ما يتعلق بالأزمة السورية، وحل أزمة الأكراد وحزب العمال الكردستاني من خلال انهاء الصراع الحكومي مع الزعيم الكردي عبد الله اوجلان، والعمل على فتح صفحات جديدة مع ايران ومصر والسعودية، تزامناً مع العمل على الدخول في مجموعة الاتحاد الأوروبي".

إزاء هذا الواقع فإن أمام المعارضة التركية مهام صعبة، لوقف المشروع الاردوغاني للسلطة، بدءاً من توحيد الصفوف خلف مرشح رئاسي جامع، وصولاً الى وضع مخطط مستقبلي. فهل تتجه المعارضة التركية الى لملمة قواها قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة؟

2014-04-19