ارشيف من :انتخابات العراق 2014
انتخابات العراق .. التيار الصدري بين نقاط القوة والضعف
تعكس الحملات الدعائية للانتخابات البرلمانية العراقية المزمع اجراؤها في الثلاثين من شهر نيسان-ابريل الجاري، ثلاث حقائق لا تقبل البحث والنقاش، الحقيقة الاولى، تعقيدات الوضع السياسي العراقي وتشابك وتداخل خيوطه وخطوطه الى حد كبير، والحقيقة الثانية، وجود كتل رئيسية محددة من المكونات الثلاثة (الشيعية والسنية والكردية) هي الماسكة بزمام الامور، وستبقى كذلك في المدى المنظور، اما الحقيقة الثالثة فتتمثل في ان النتائج التي ستفرزها الانتخابات المرتقبة لن تقلب موازين القوى القائمة، اي بعبارة اخرى، ستحافظ على التوازنات القائمة، استنادا الى احتمالية حصول تقدم طفيف للبعض وتراجع طفيف ايضا للبعض الاخر، وهذه الحقائق الثلاث تعني فيما تعنيه ان طبيعة الحراك السياسي المشحون والمتأزم لن تتغير باتجاه حدوث انفراجات واقعية وملموسة في المرحلة المقبلة.
ولعل قراءة موضوعية لواقع الكتل الانتخابية الرئيسية، من حيث تشكيلتها ونقاط قوتها وضعفها، وخطابها السياسي وبرنامجها الانتخابي، من شأنها ان تساهم في بلورة صورة المشهد العام الراهن، ومعالم المشهد العام في مرحلة ما بعد الانتخابات.
التيار الصدري .. ثلاثة عناوين
لا يختلف اثنان على ان التيار الصدري ما زال يحتفظ بأوراق تتيح له ان يبقى حاضرا بقوة وفاعلية في المشهد السياسي العام في المرحلة المقبلة، اي مرحلة ما بعد الانتخابات البرلمانية في الثلاثين من شهر نيسان/ابريل الجاري.
قرر التيار الصدري خوض الانتخابات المقبلة بثلاث قوائم، هي تيار النخب، وتجمع الشراكة الوطنية، وائتلاف الاحرار، علما انه كان قد خاض انتخابات مجالس المحافظات في نيسان/ابريل من العام الماضي بأربع قوائم ونجح في حصد ثمانية وخمسين مقعدا في عموم محافظات الوسط والجنوب والفرات الاوسط، اتاحت له ان يشغل مواقع تنفيذية متقدمة في عدد من الحكومات المحلية.
لعل المتغير الابرز لدى التيار الصدري هذه المرة هو دخول كيانات وشخصيات سياسية وعشائرية واكاديمية في كتله الانتخابية، هي في الواقع من خارج البيت الصدري، مثل حركة الانتفاضة الشعبانية المباركة/الامانة العامة، وحركة الاصلاح الوطني، برئاسة الشخصية العشائرية المعروفة سامي عزارة آل معجون، والكاتب والمفكر المخضرم حسن العلوي، الذي كان قد خاض الانتخابات البرلمانية السابقة وحصل على مقعد في البرلمان ضمن القائمة العراقية، والفريق نجيب الصالحي، واخرين.
ولعل التيار الصدري الذي كان منغلقا على الاخرين ادرك استنادا الى قراءات موضوعية لطبيعة المشهد السياسي العام، انه لا بد من تبني سياسة انفتاحية على شرائح وفئات وشخصيات تحمل توجهات بعيدة عن توجهات التيار، وهذا التحول لم يقتصر على التيار الصدري، وانما سبقته تيارات سياسية اخرى مثل المجلس الاعلى الاسلامي العراقي وحزب الدعوة الاسلامية وتيار الاصلاح الوطني، فضلا عن التيارات السياسية السنية والكردية.
وكانت قد برزت معالم انفتاح التيار الصدري على الاخرين في الانتخابات التمهيدية التي اجراها قبل عدة شهور، حينما فتح الباب واسعا لترشح اشخاص من خارج فضائه السياسي، وحتى العقائدي.
وعلى ذكر الانتخابات التمهيدية، فإنها تعد واحدة من ابرز خصوصيات التيار الصدري، اذ كان قد اجرى اول انتخابات تمهيدية في عام 2009، لغرض اختيار مرشحين للانتخابات البرلمانية العامة السابقة في اذار-مارس 2010.
والميزة الاخرى التي يتمتع بها التيار الصدري، هي انه يعد الكيان الحزبي الاكبر في مجلس النواب الحالي، اذ انه خاض انتخابات 2010 تحت مظلة الائتلاف الوطني العراقي، واحرز تسعة وثلاثين مقعدا، وهو ما اتاح له الحصول على عدة حقائب وزارية في الحكومة من بينها وزارة الاسكان والاعمار، ووزارة البلديات، ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، الى جانب منصب النائب الاول لرئيس مجلس النواب.
نقاط قوة يعول عليها
واليوم حينما يدخل التيار الصدري حلبة التنافس الانتخابي، فإنه يأتي متسلحا بنقاط قوة يعول عليها لاحراز ارقام متقدمة تؤهله لعدم فقدان ما حصل عليه، ان لم يكن الحصول على المزيد من المواقع في السلطتين التشريعية والتنفيذية.
واحدة من اهم وابرز نقاط قوة التيار الصدري، هي القاعدة الجماهيرية الواسعة التي يمتلكها، التي وان كانت تفتقر الى البنى التنظيمية المتعارف عليها والمعمول بها لدى الاحزاب الجماهيرية العريقة في مختلف الدول، الا ان ظاهرة الولاء والاندكاك السياسي والحالة التعبوية العامة، تجعل من تلك القاعدة الجماهيرية رقما مهما في الانتخابات او اي فعل ونشاط سياسي اخر ذي طابع جماهيري.
نقطة القوة الثانية، تتمثل في الوجود الصدري الواضح ـ من حيث الكم والنوع ـ في البرلمان والحكومة الاتحادية، وعدد من الحكومات المحلية، من بينها محافظتا بغداد وميسان، هذا الوجود يتيح التواصل مع الجمهور بدرجة اكبر وكسب انصار ومؤيدين، لا سيما في المفاصل والمساحات التي حقق فيها ممثلو التيار الصدري انجازات ملموسة، كما هو الحال مع محافظ ميسان علي ابراهيم دواي، الذي نجح في تحقيق نهضة عمرانية متميزة للمحافظة منذ توليه المنصب في عام 2009.
نقطة القوة الاخرى، هي الانفتاح السياسي، من حيث طبيعة الخطاب، والتحالفات والعلاقات الوطنية، وقد وفر ذلك الانفتاح مساحة جيدة للتيار وخيارات عديدة للتعاطي مع القضايا والملفات المطروحة، فرغم انه يعد طرفا رئيسيا في الحكومة، الا انه افلح في النأي بنفسه عن الكثير من الاخطاء والسلبيات، وخصوصا المتعلقة منها بالجوانب الامنية.
مكامن الضعف المقلقة
في مقابل ذلك فإن التيار الصدري حاله حال الكيانات السياسية الاخرى يعاني نقاط ومكامن ضعف تبعث على القلق والتوجس.
اعتزال زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر العمل السياسي منتصف شهر شباط/فبراير الماضي، ربما احدث ارباكا غير قليل في صفوف قيادات وكوادر التيار الصدري، وقواعده الجماهيرية، رغم ان اعتزال الصدر سياسيا لم يعنِ مغادرته مسرح الاحداث تماما لان تسع عشرة مؤسسة ثقافية واعلامية ودينية واجتماعية بقيت تحت اشرافه ورعايته، ومعظمها لايخلو من صبغة سياسية. فضلا عن ذلك فان الزعامة الحقيقية لم تخرج من عباءة الصدر، في ذات الوقت فان التيار لم ينجب زعامات قادرة ان تمثل مرجعية سياسية لاتباع وانصار التيار، بمستوى السيد مقتدى الصدر، وحتى جعفر الصدر نجل الشهيد السيد محمد باقر الصدر، لا يمكن ان يلعب دور الزعامة، لاسباب ذاتية وموضوعية.
نقطة الضعف الاخرى، تتمثل ببروز حركة عصائب اهل الحق (حركة اهل الحق) بزعامة الشيخ قيس الخزعلي، التي انشقت في وقت سابق عن التيار الصدري، ونجحت في تسجيل حضور قوي الى حد ما في الشارع العراقي، لا سيما الشيعي، وقد استغلت العلاقات المتأزمة بين التيار الصدري، والحكومة، للتقرب الى الاخيرة، والى ائتلاف دولة القانون، ويقال ان حركة اهل الحق، تمكنت من استقطاب وجذب عناصر من التيار الصدري بعد اعتزال السيد الصدر، اضافة الى اشخاص غادروا التيار لاسباب ومبررات، ربما كانت معظمها شخصية.
البعض ينظر الى اتساع نفوذ "اهل الحق" على انه تراجع للتيار، وهو امر قد يبدو في جانب منه صحيحا.
والنقطة الاخرى تتمثل في ان هناك من يحمل الوزراء المحسوبين والمنتمين الى التيار الصدري، والذين تولوا مسؤولية وزارات خدمية، مثل البلديات والعمل والشؤون الاجتماعية، عدم تقديم خدمات حقيقية للفئات والشرائح الاجتماعية التي يفترض ان تحظى برعاية واهتمام تلك الوزارات، وهناك من ينظر الى الانتقادات الحادة التي يوجهها التيار الصدري الى الحكومة باستمرار على انها غير واقعية، ولا تتعدى كونها محاولات للتنصل من المسؤولية وإلقائها على الاخرين.
كما يواجه التيار الصدري، منافسين اقوياء مثل ائتلاف دولة القانون والمجلس الاعلى الاسلامي العراقي (ائتلاف المواطن)، اضافة الى كيانات اصغر مثل حزب الفضيلة الاسلامي وتيار الاصلاح الوطني.
هذه الصورة التي تتقاطع وتتداخل فيها نقاط القوة والضعف، يمكن ان تجعل المتابع يخرج باستنتاج مفاده انه من الصعب على التيار الصدري ان يحافظ على حجم حضوره البرلماني، وأغلب الظن انه سيتراجع بمقدار قليل، بيد ان ذلك لا يعني بأي حال من الاحوال انحسار تأثيره ومحوريته في الخارطة السياسية، وخصوصا ان القوى والتيارات ذات القواعد الجماهيرية الواسعة، تبقى متماسكة ومتجذرة حتى وإن تعرضت لانتكاسات وتراجعات سياسية معينة عند بعض المحطات والمنعطفات.
وبما ان التغيير يعد الشعار والهدف الابرز للتيار الصدري، حيث يلتقي في ذلك مع قوى سياسية عديدة، فإنه سيكون طرفا فاعلا في حراك ما بعد الانتخابات لاختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة، والمناصب السيادية الاخرى.