ارشيف من :آراء وتحليلات
السياسة الأميركية تغرق في المستنقع الأوكراني
تبذل الادارة الاميركية جهودا محمومة من أجل فرض الخط السياسي الموالي للغرب على اوكرانيا، بعد تنفيذ الانقلاب على عهد يانوكوفيتش، الذي نفذته المجموعات الفاشستية المسلحة. وقد قام الاسبوع الماضي بزيارة سرية مفاجئة الى كييف رئيس المخابرات المركزية الاميركية جون برينون ترافقه مجموعة كبيرة من خبراء السي آي ايه والإف بي آي، الذين جالوا على المكشوف في الشوارع والساحات التي يتجمع فيها انصار الجماعات الموالية للغرب، للاطلاع ميدانيا على التطورات وتوفير الدعم المعنوي لتلك الجماعات واعطاء التوجيهات اللازمة لقياداتها العميلة للاجهزة الغربية.
وفي مطلع هذا الاسبوع وصل الى كييف ايضا نائب الرئيس الاميركي جو بايدن، كما جاء في وكالة الصحافة الفرنسية، لتقديم الدعم للسلطات الانقلابية، التي تواجه الان انتفاضة الجماهير المعارضة للانقلابيين في القسم الشرقي و*الجنوبي من اوكرانيا. وقد اجتمع على الفور بزعيمي الانقلاب الرئيس المؤقت غير الشرعي الكسندر تورتشينوف ورئيس الوزراء ارسينيي ياتسينيوك. وهي اول زيارة يقوم بها الى كييف مسؤول اميركي على هذا المستوى، بعد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الاميركي جون كيري في 4 اذار الماضي. ويتوقع ان يقدم بايدن مجموعة من الوعود بالدعم الاقتصادي لاوكرانيا. كما سيبحث في تقديم دعم عسكري لسلطات كييف.
ولفتت مساعدة وزير الخارجية الاميركي فيكتوريا نيولاند إلى ان الولايات المتحدة الاميركية أنفقت 5 مليارات دولار من اجل ما أسمته "تطوير الديمقراطية في اوكرانيا"، حسبما جاء في وكالة الانباء الاوكرانية. وقالت نيولاند حرفيا: "ان الولايات المتحدة الاميركية انفقت حوالى 5 مليارات دولار منذ سنة 1991 في اوكرانيا، حينما اصبحت من جديد دولة مستقلة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي". وبذلك اعترفت نيولاند ضمنا بالتمويل الاميركي لما سمي "الثورة البرتقالية" في 2004 ـ 2005 ضد يانوكوفيتش، ثم بالانقلاب المسلح ضده في 2014.
ولكن بالرغم من كل الضغوط التي تتعرض لها الجماهير الشعبية المنتفضة في شرقي وجنوبي اوكرانيا، وارسال الطائرات والدبابات والمجموعات الفاشستية المسلحة لقمع الانتفاضة، فإن الانتفاضة تستمر وتتوسع، وتطالب الجماهير ذات الاصول الروسية والناطقة باللغة الروسية بتطبيق فيديرالية موسعة في اوكرانيا وباجراء استفتاء في كل مقاطعة حول البقاء ضمن اطار الدولة الاوكرانية او الانضمام الى الفديرالية الروسية، كما جرى في 16 اذار الماضي في القرم.
وتتهم روسيا السلطات الانقلابية في كييف بعدم تطبيق اتفاق جنيف الذي وقع اخيرا من قبل "الرباعية" المشكلة من ممثلي روسيا، اميركا، الاتحاد الاوروبي وحكومة الامر الواقع في اوكرانيا، والقاضي بنزع الاسلحة غير الشرعية وباخلاء الاماكن العامة من قبل محتليها وبوقف اعمال القمع ضد المحتجين. وهذا ما اكده وزير الخارجية الروسي سيرغيي لافروف في مكالمة هاتفية مع نظيره الالماني فرانك ـ والتر شتاينماير. كما ابلغ لافروف موقف روسيا هذا الى وزير الخارجية الاميركية جون كيري في محادثة هاتفية بين الوزيرين. ودعا لافروف واشنطن الى ان تعي مسؤوليتها عن اولئك الذين اتت بهم الى السلطة، بدلا من ان توجه الانذارات وتهدد بالعقوبات ضد روسيا.
وفي مؤتمر صحافي عقده لافروف في موسكو قال "ان السلطات في كييف تخرق بفظاظة اتفاق جنيف وهي لا تفعل شيئا لاستبعاد اسباب الازمة العميقة القائمة". واضاف انه بالرغم من عدم تحديد مهل لتنفيذ بنود الاتفاق الا انه ينبغي تنفيذ هذه الاجراءات بسرعة. "ان القادة المعينين من قبل الرادا العليا (البرلمان)، يعلنون ان اتفاق جنيف لا يتعلق بـ"الميدان" (اي ساحة تجمع الانقلابيين والفاشست الموالين للغرب)، لان الادارة المحلية في كييف اتخذت قرارا بالمحافظة عليه واعتبار نشاطه شرعيا. وهذا غير مقبول بتاتا". واتهم الوزير الروسي حكومة الامر الواقع الاوكرانية بعدم القدرة وعدم الرغبة في وضع حد للاعمال التي ترتكبها المجموعات الفاشستية في اوكرانيا، وهي الاعمال التي تهدد بإفشال اتفاق جنيف.
واكد لافروف ان اطلاق النار الذي جرى في ليلة عيد الفصح بالقرب من مدينة سلافيانسك، حيث قتل خمسة اشخاص " يتجاوز كل حدود"، وان الهجمات التي يقوم بها مسلحو المجموعات الفاشستية في شرقي اوكرانيا تشهد على الرغبة في القيام باستفزازات تقود الى الحرب الاهلية. وحذر من ان ذلك سيقود الى اندلاع نزاع دموي كبير. "ونحن لن نكتفي بشجب هذه السياسة، بل وسنمنعها". واعلن ان التأكيدات عن تكديس كميات من الاسلحة الروسية في مناطق النزاع هي "حجة مثيرة للسخرية". "فهناك لم يكن يوجد ابدا اي سلاح آخر". وذكر ان "النبأ الجديد" هو ظهور تشكيلات مسلحة تمتلك اسلحة اميركية. وقال ان المحاولات لعزل روسيا ليس لها اي مستقبل، وان هذه المحاولات لا تحمل اي شيء ايجابي لأي طرف كان.
وفي بيان مضاد ادعت وزارة الخارجية الاوكرانية ان المحتجين الذين يحتلون ابنية عامة قاموا باحتجاز بعض الرهائن ومنهم صحفيون وبأعمال "معادية للسامية". وفي هذا الوقت سيطر انصار الفيديرالية على مبنى جهاز الامن الاوكراني في مدينة كراماتورسك. ولم يواجهوا اي مقاومة لدى دخول المبنى. وقبل ذلك كان انصار الفيديرالية قد هددوا باحراق مكاتب "الحزب الشعبي الاوكراني" في مدينة دونيتسك، بسبب رفع العلم الاوكراني على واجهة البناء ومنع رفع العلم الروسي، كما جاء في وكالة اونيان. ويوجد مكتب الحزب في شارع "لينين" في وسط المدينة. وقد اعلن النبأ رئيس الحزب الموالي للسلطة الانقلابية الكسندر كليمنكو، الذي قال ان المحتجين كانوا مسلحين.
وفي وسط مدينة خاركوف اقام انصار الفيديرالية اجتماعا جماهيريا حاشدا. وقرر المحتشدون تحديد مواعيد قريبة لتحضير الاسئلة التي ينبغي طرحها في الاستفتاء حول مصير المقاطعة، والذي تقرر موعده في 11 ايار القادم. كما انتخب المحتشدون احد سكان المدينة ويدعى فلاديمير فارشافسكي كـ"محافظ شعبي" للمقاطعة، كما نشرت وكالة ايتار ـ تاس. وطالب المحتشدون بطرد محافظ خاركوف المعين من قبل كييف والمدعو ايغور بالوتا. واعلن عضو مجلس تنسيق حركة " جنوب شرق" دينيس ليفين ان المهمة التالية للمتظاهرين ستكون الذهاب الى الاجتماع الثاني للمجلس المحلي لمقاطعة خاركوف وان يطلبوا من اعضاء المجلس تنظيم استفتاء، لانه ـ حسب تعبيره ـ "هذه هي احدى الطرق لاعادة القانون الى البلاد". وحسبما قال عضو اخر في مجلس تنسيق حركة "جنوب شرق" وهو يوري ابوختين، فقد تقرر ان يجري الاستفتاء في اربع مقاطعات اوكرانية، ومقاطعة خاركوف هي احداها. وفي هذا الاستفتاء ستطرح الاسئلة حول ضرورة تطبيق الفيديرالية في اوكرانيا، وحول امكانية تطبيق الاستقلال الذاتي (اوتونومي) للمقاطعات، وحول اعطاء اللغة الروسية وضعية قانونية كلغة رسمية ثانية للدولة.
وقد بدأت الجبهة الداخلية للانقلابيين في التفكك والتضارب فيما بين اركانها. وفي هذا السياق لاحظ المراقبون غياب رئيس حزب "اودر" الملاكم العالمي كليتشكو، الذي كان احد المرشحين للانتخابات الرئاسية، عن القيام بنشاطات سياسية معتادة كما كان في السابق. كما لوحظ ان رئيسة حزب "باتكيفتشينا" المرشحة للرئاسة يوليا تيموشينكو قد ألغت زيارتها المقررة الى الولايات المتحدة في 23 نيسان الجاري، وقالت الانباء الصحفية ان احدا من المسؤولين الاميركيين لم يؤكد استعداده لمقابلتها، ما يدل على خلافات شديدة بينها وبين اركان السلطة الانقلابية الحالية في كييف الحائزة رضا واشنطن. وكانت تيموشينكو قد ناشدت الكونغرس الاميركي الموافقة على تقديم مساعدة عسكرية لاوكرانيا.
وفي هذا الوقت اصدر الرئيس الروسي بوتين مرسوما يقضي باتخاذ الاجراءات الضرورية لازالة كل اثار وبقايا القرارات القمعية التي كانت قد صدرت في العهد الستاليني بحق المجموعات العرقية في القرم: الارمن واليونانيين والبلغار والتتار والالمان، بتهمة التعامل مع العدو الهتلري خلال الحرب العالمية الثانية، ويقضي مرسوم الرئيس بوتين بتقديم المساعدات لهذه الاقليات من اجل بعث هويتها وتنشيط فعالياتها الثقافية وتحسين اوضاعها الاجتماعية والاقتصادية. وجاء في القرار حرفيا: " من اجل اعادة العدالة التاريخية، وإزالة اثار الترحيل غير الشرعي وانتهاك حقوقهم، أرسم: ان حكومة روسيا الاتحادية، بالاشتراك مع اجهزة سلطة جمهورية القرم ومدينة سيباستوبول، أن تتخذ الاجراءات لاستعادة العدالة التاريخية، والاحياء الاجتماعي والروحي للشعوب التي خضعت للترحيل غير الشرعي والقمع السياسي بناءً للانتماء القومي وغيره والتي عانت من اعمال القمع الستالينية".