ارشيف من :آراء وتحليلات

النازحون السوريون إلى لبنان: وجود مرحلي أو مشروع توطين

النازحون السوريون إلى لبنان: وجود مرحلي أو مشروع توطين

كثيرون حول السلطة ، قليلون حول الوطن
-غاندي-

ليس من الإنصاف في شيء أن يسمى الوافدين من سوريا باللاجئين.ربما الأصح أنهم ضيوف على لبنان . لإعتبارات قومية ، ولإعتبارات تتصل بالتاريخ السياسي والأجتماعي المشترك ،التي صنعت هذه العلاقة المتميزة بين البلدين ،وفضلاً عن ذلك هناك إعتبارات أخلاقية تنطلق من هذا التمايز بالذات.إذ يجب أن لايتنكر أحد بأن سوريا كانت مأؤىً للألوف من اللبنانين منذ القرن التاسع عشر وما تلاه ،ولاسيما محنتهم أيام المجاعة التي إجتاحتهم خلال الحرب العالمية الأولى ، ومن هنا جاء التشابك الأجتماعي حيث النسيج العائلي يتوزع في الأغلب بين لبنان و سورية ؛كما ويجب ألا ينسى أحد أن سوريا إستقبلت في بدايات الحرب الأهلية وخلال ما أطلق عليها حرب السنتين أعداداً كبيرة من النازحين من مناطق القتال ، وأخيراً وليس اخراً فتحت سوريا صدرها بكل محبة حاضنةً للبنانيين الذين نزحوا هرباً من القصف الأسرائيلي خلال حرب تموز عام 2006 .

غير أن كلمة (لاجئين) إستدرجت لبنان الرسمي إلى فخ سنأتي عليه لاحقاً ،بقدر ما تشكل من سقوط قيمي للأسباب التي ذكرناها. لقد كانت البداية بتبني هذه السياسة البلهاء المُسماة: " النأي بالنفس " ! فيما الحريق السوري بالغٌ اوجه، والأرهاب يطرق حدود لبنان ، يوازيه تزايد توافد السوريين بإعداد لم يعرف لها لبنان مثيلاً حتى أعقاب نكبة فلسطين. وبهذا الثنائي تفاقم الأمر حتى بلغ عدد (اللاجئين) السوريين إلى لبنان مليون و 44 ألف شخص،بحسب أحصائيات مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، لكن هذا الرقم لايُعتدُّ فيه ،حيث تشير التقديرات غير الرسمية الأقرب إلى الواقع إلى ما يقارب المليونين، وبكل الأحوال فإن هذه الكثافة تشكل عبئاً اقتصادياً وأجتماعياً على أي بلد فكيف لبنان البلد الصغير المحدود الموارد فضلاً عن الأزمات الأقتصادية والأجتماعية التي تجتاحه يعبر عنها هذا الحراك المطلبي للنقابات والأضرابات والأعتصامات .لكن هكذا أعتاد ارباب السياسة في لبنان يتركون كرة النار تتدحرج حتى تقع في أحضان البلد ليكتوي بها. ولا مرة تحركوا لتدراك خطر مرصود !!.

فقد أعتادوا أن يتصرفوا بتاثير الحدث بعد وقوعه . وفوق ذلك يبدو لافتاً أن سياسة مفوضية اللاجئين تنصب في معالجة تداعيات المشكلة فقط من حيث تأمين الخدمات لهم من غير البحث في أمكانية إعادتهم إلى المناطق التي جاؤوا منها ،وكل ذلك كي تبقى قضية هؤلاء الوافدين بالتمام في أيدي المجتمع الدولي ورقة جديدة ومادة للمتاجرة الأعلامية يرفعها في وجه النظام السوري في إطار الحرب الكونية التي يشنها الغرب عليه . هذا الجو تعكسه المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، التي ينصب سعيها في إطار تحسين شروط لجوء هؤلاء ،من غير البحث عما إذا كانت اسباب لجوء البعض مازالت قائمة. الأمر الذي سنأتي عليه لاحقاً .ويبدو للمدقق بأن المفوضية المذكورة تقارب الموضوع بكثير من الخبث ،أي إلى إعتبار هذا اللجوء حالة مفتوحة بغية إتاحة الفرص للمتاجرة فيه!! ؛فقد قال انطونيو غوتيريس المفوض الأعلى لمفوضية شؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة في اجتماع وزراء خارجية دول الجوار السوري : انه "من الضروري أن تبقي البلدان في جميع أنحاء العالم، وليس فقط دول المنطقة حدودها مفتوحة أمام اللاجئين السوريين وتسهل عملية وصولهم إلى أراضيها عبر اتخاذ سياسة أكثر انفتاحا ومسؤولية عالية". ؛ غير أن الوقائع على الأرض من جهة أخرى تثبت بأن إستقبال النازحين السوريين يخضع لقوننة صارمة من الدول غير المجاورة ، يوازيه مؤخراً الحد من إستقبال المزيد منهم في الدولتين المجاورتين : الأردن و تركيا؛ مما سيترتب عليه بالتبعية ان يصبح لبنان الوعاء الذي عليه أن يستوعب النسبة الأكبر من النزوح !. وبالفعل تشير الاحصائيات إلى أن أعداداً غير قليلة من الذين توافدوا إلى لبنان قد جاؤوا من مناطق نائية غير مجاورة لحدوده مثل الرقة ودير الزور وشمال سوريا !، ولعل هذا ترك لألف شيطان كي يوسوس في صدور العديد من اللبنانيين عما إذا كان هذا (اللجوء) سيتحول إلى إقامة دائمة في إطار مخطط يستهدف تغير التركيبة الديموغرافية في لبنان !.ولعل مايقحم هذه الظنون في حسابات البعض هو أن أطرافاً سياسية لبنانية من لون طائفي تهمس مباشرةً بهذا التغير!!، يضاف إلى ذلك أن بعض الوافدين السوريين كانوا طرفاً في خندق (المعارضات)، وفصائلها المسلحة داخل سوريا ، وشريكاً ناشطاً في أعمال ارهابية استهدفت بعض الداخل اللبناني .

النازحون السوريون إلى لبنان: وجود مرحلي أو مشروع توطين

فخ سياسة النأي بالنفس

لكن إذا كان لبنان قد أوقع نفسه في فخ (النأي بالنفس) ليصبح أمر النزوح السوري خارج السيطرة فإنه من الخطا الأفدح أن تقود تداعيات تلك الحماقة إلى حماقة آخرى تزيد من معاناة الوافدين السوريين ، أو تمس بكرامتهم ،أو قواعد حسن الضيافة؛لاسيما وأن أبواب الحلول غير مغلقة لمن يطرقها و متى صدقت النوايا.

إن هذا المصطلح المقيت : (لاجئين)!! ،سيرتب من مكان آخر تبعات سياسية ، يصبح معها لبنان مأوىً للاجئين محكوم حيالهم بالقوانين والشرائع الدولية.هذه المقاربة هي التي يسعى إليها الغرب وبعض خدمه من العربان إلى تكريسها، وبهذا تتعامل -وبخبث- المفوضية العليا للاجئين مع ملف السوريين النازحين بذات المنحى الذي تعاملت فيه مع قضية "اللاجئين الفلسطينين "، بالرغم من الأختلاف الكبير في المضمون وفي الشكل بين الملفين، فالفلسطينيون اقتلعوا من ديارهم أقتلاعاً وفي رحلة مغادرة من غير عودة .ليصبح لجوؤهم أمراً واقعاً في ظل إرادة دولية غطت قرار الكيان الغاصب بمنع عودة الفلسطينين ! ، في حين أن السوريين النازحين على أنواعهم هم ضحايا حالة حرب ،أختارمعها بعضهم النزوح إلى خارج سوريا كما أختارت أعداد أكبر النزوح الداخلي إلى مناطق أمنة في سوريا وعدد هؤلاء يبلغ حوالي 7.5 مليون سوري .وبهذه الحالة يستوجب الأمر مقاربة مختلفة من حيث التوصيف ومن حيث المعالجة مع وجود أمكانية مفتوحة لعودة من نزح خارج سوريا بوصفه خروج جاء بإرادة شخصية لا إكراه فيها ،كما وإن خشية البعض من الإحجام عن العودة لاسباب سياسية خشية أنتقام السلطة، أمر سقط بقانون العفو الذي يسوي أوضاع الفارين أمنياً،كما تثبت الشواهد اليومية ذلك . إلا في حالات استثنائية لا يعتد بها.

تحضرنا في هذا المقام المفارقة . ففي الحالة الفلسطينية سعى الغرب إلى امتصاص تداعيات نكبة فلسطين كي لا يتحول اللجوء تحت وطأة الهزيمة العربية إلى لغم يهدد الأنظمه العربية (الصديقة ) للغرب انذاك وبعضها كان متواطئاً في قيام الكيان الصهيوني ؛ أما في الحالة السورية فإن هذا الغرب نفسه ومعه خدامه من العربان يمثل دور (الحاضن الحريص!) على اللاجئين ولكن هذه المرة لأستثمار هذا اللجوء بالدعاية السياسية تارةً، أو تارات لشيطنة اعداد من اللاجئين ليكونوا خزاناً يزود بالمقاتلين فصائل (المعارضة المعتدلة ) وفق المصطلح الأمريكي.شي يحاكي اللاجئين الكوبين إلى أمريكا والتي استعملتهم مخابراتها ضد نظام كاسترو لغزو كوبا في عملية خليج الخنازير المعروفة.

كيف ننظم ملف النازحين السوريين؟

ماذا على لبنان أن يفعل ؟.. لقد آن الأوان لتحرير هذا الملف من حسابات الخارج ،بل ومن السماسرة المتاجرين (باللاجئين ) من عرب بكل ما ينطوي ذلك على هدرٍ لكرامة الوافدين السورين وشرفهم ،وعزة نفسهم. لذا لابد من إعادة تنظيم العلاقة بين مفوضية اللاجئين والدولة اللبنانية . وهذا يستدعي من الدولة وكخطوة أولى تشكيل هيئة وطنية مستقلة تمسك بهذا الملف البالغ الأهمية تحت أشراف رئيس الجمهورية القادم بوصفه ملفاً سيادياً. ولتنحصر مهمة الهيئة المذكورة بثلاثة عناوين رئيسية :

1- تنظيم وجود النازحين.وضبط حركتهم من وإلى لبنان.لاسيما وأن اسباب نزوح بعضهم قد إنتفت فيما اصبح إنتقالهم من سوريا إلى لبنان هو لقبض المساعدة المالية المقدمة لهم من مفوضية اللاجئين!!.في ظاهرة تعكس فوضى إدارية ومالية وتنظيمية .

2 - البحث مع الأشقاء في سوريا بهذا الملف .والعمل على إعادة أعداد من النازحين السوريين إلى مناطقهم حيث أمكن ذلك. وهنا نجد من الأوجب ، وربما من الأهمية بمكان في هذا الشأن ألتفكير في جدوى وضع الملف في إطار المجلس الأعلى السوري اللبناني .
3- حصر المساعدات المقدمة بالهيئة الوطنية المذكورة لتتولى بإشراف مفوضية اللاجئين توزيعها على المستحقين ، والحيلولة دون ابتزاز (اللاجئين). أو استغلال البعض منهم لهذه المساعدات ليتقاعس عن العوده لسوريا كما يحصل مع البعض غير القليل.

إننا نعتقد بأن التعامل مع ملف الوافدين السوريين إلى لبنان . يحتاج هذه المرة أن "ينأى لبنان بنفسه" عن لعبة الأمم ،وحساباتها الشيطانية، وهذا يستدعي الإنفتاح الكامل على سوريا وجعل هذا الملف السيادي مشتركاً بين البلدين ،بدلاً عن المخاتلة التي فعلها بعض كبار المسؤلين تزلفاً أو خدمة ً مدفوعة الأجر من اسيادهم في دولة نفطية كبرى.
2014-05-20