ارشيف من :آراء وتحليلات

القائمة العراقية... ماذا بقي منها؟

القائمة العراقية... ماذا بقي منها؟

تواجه قوى وتيارات المكون السني ازمة حقيقية وهي تدخل غمار الصراع او التفاوض -سمّه ما شئت- حول تشكيلة الحكومة العراقية المقبلة، وتوزيع المناصب والمواقع العليا على ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت نهاية شهر نيسان/ابريل الماضي، ووفق السياقات والاعراف التي فرضت نفسها، او تم التوافق عليها في العراق خلال العشرة اعوام الماضية.

محطات التفكك والتشظي


تكمن الازمة الحقيقية للمكون السني في جملة امور، يمكن ترتيبها حسب الاهمية وحجم التأثير، علما ان البعض منها ربما كان نتيجة لاخرى، او العكس.

الامر الاول يتمثل في تفكيك وتشظي الاطار الجامع لتيارات وقوى المكون السني، وهو "القائمة العراقية"، وذلك التفكك والتشظي مر بالكثير من المحطات والمنعطفات الحادة والخطيرة، وكانت محطته الاولى فشل زعيم القائمة اياد علاوي في الحصول على منصب مهم ومحوري بعد انتخابات اذار/مارس 2010، والتي احرزت القائمة العراقية واحدا وتسعين مقعدا فيها، وحتى مجلس السياسات الاستراتيجية الذي تم تفصيله ليستوعب ويرضي علاوي لم يبصر النور. وتبعت المحطة الاولى محطات ومنعطفات اخرى، تمثلت بضلوع نائب رئيس الجمهورية السابق والقيادي في العراقية طارق الهاشمي بدعم وتمويل الجماعات الارهابية، ومن ثم صدور مذكرة القاء قبض عليه، وبعدها صدر بحقه حكم غيابي بالاعدام، ومن ثم تورط عناصر من حماية وزير المالية الاسبق والقيادي الاخر في القائمة رافع العيساوي بالارهاب، وكذلك خروج اعضاء من القائمة وتشكيل قوائم وكتل اخرى، مثل الكتلة البيضاء برئاسة جمال البطيخ، والعراقية الحرة برئاسة قتيبة الجبوري، ناهيك عن مغادرة نواب من القائمة وانضمامهم الى قوائم اخرى منافسة، واكثر من ذلك كله دخول اعضاء من القائمة على خط الاعتصامات والتظاهرات في المناطق الغربية واعلانهم الدعم والتأييد الواضح والصريح للجماعات الارهابية المسلحة، وبالخصوص تنظيم ما يسمى بالدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش)، ولعل النائب المعتقل حاليا احمد العلواني يعد مثالا صارخا على ذلك التوجه.

الامر الاخر تمثل في فشل القوى الخارجية الداعمة للقائمة العراقية والممولة لها، وتحديدا المملكة العربية السعودية، في الامساك بخيوط القائمة ومنعها من التفكك والانفراط، رغم الضخ المالي والاعلامي والسياسي الهائل من الرياض ومعها الدوحة وانقرة وعواصم اخرى.

والامر الثالث، تمثل في طغيان المصالح والاجندات الخاصة والضيقة، وغياب الرؤية الموحدة ذات البعد الوطني للقائمة العراقية، ومعارضتها المستمرة للحكومة رغم انها جزء منها بوجود عدة وزراء ينتمون اليها او محسوبين عليها.

بداية النهاية!

ولعل انتخابات مجالس المحافظات التي جرت في العشرين من شهر نيسان/ابريل من العام الماضي، مثلت بداية نهاية القائمة العراقية، او بتعبير ادق النهاية الفعلية لها، اذ تحولت الى ثلاث قوائم رئيسية ومعها قوائم اخرى صغيرة، واندماج بعض عناوينها وشخوصها في قوائم وكتل من لون سياسي مختلف.

القوائم الثلاث التي انشطرت من "العراقية" هي ائتلاف الوطنية العراقية بزعامة اياد علاوي، وائتلاف متحدون للاصلاح بزعامة اسامة النجيفي، وائتلاف القائمة العربية بزعامة صالح المطلك. وتكرس ذلك التشظي بدرجة اوضح وبات امرا واقعا خلال الانتخابات البرلمانية الاخيرة، بحيث ان جهودا حقيقية لم تبذل من قبل اي طرف لاعادة الروح لـ"العراقية".

ولم يعد ممكنا ولا واقعيا الحديث عن شيء اسمه القائمة العراقية، وهذا الاسم لن يكون من بين الخيارات المطروحة لايجاد اطار جامع للمكون السني خلال مرحلة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.

واذا كان علاوي في يوم من الايام زعيما مقبولا ومتفقا عليه بنسبة كبيرة من قبل السنة، رغم انه ينتمي –ولو شكليا الى فضاء مذهبي اخر- فإنه بات اليوم لا يختلف عن اسماء اخرى، بل ربما يأتي بعد البعض منها في سلّم الترتيب، باعتبار ان نتائج الانتخابات الاخيرة، وقبلها انتخابات مجالس المحافظات، افرزت حقيقة ان علاوي لا يعد الرقم الاقوى والاصعب في مساحات المكون السني، ولم يشفع له رصيده الذي اكتسبه خلال فترة توليه منصب رئاسة الوزراء في منتصف عام 2004 وحتى ايار-مايو من عام 2005، ولم تشفع له شبكة علاقاته الخارجية الاقليمية والدولية الواسعة، ونفس الشيء بالنسبة للاسماء الاخرى كأسامة النجيفي وصالح المطلك وغيرهما، وقد اسهم دخول شخصيات عشائرية لها ثقلها في محيطها الاجتماعي المناطقي، وشخصيات تجارية واعلامية تمتلك قدرات مالية ضخمة، على خط العمل السياسي والتنافس الانتخابي في تكريس وتعميق حالة التفكك والتشظي تلك.


تراجع الارقام

وما يعزز ويرفع مستويات القلق، هو ان الامر لم يقتصر على التفكك والتشظي، وانما تظهر حسابات الارقام ان المكون السني في الانتخابات البرلمانية الاخيرة قد تراجع مقارنة بانتخابات برلمان 2010، وانتخابات مجالس المحافظات في 2014، فبينما حصد قبل اربعة اعوام واحدا وتسعين مقعدا، نجده بحسبة بسيطة لم يصل في الانتخابات البرلمانية الاخيرة الى عتبة السبعين مقعدا في افضل الاحوال.

فائتلاف متحدون حصل على ثلاثة وعشرين مقعدا، وائتلاف الوطنية العراقية على واحد وعشرين مقعدا، وائتلاف العربية على عشرة مقاعد، وائتلاف ديالى هويتنا على خمسة مقاعد، ومثلها لائتلاف عرب كركوك، واثنان لتيار الوفاء للانبار، وحصلت عدة كيانات صغيرة على مقعد واحد لكل منها.

القائمة العراقية... ماذا بقي منها؟

ومحطات ومنعطفات تفكك وتشظي القائمة العراقية، كانت في الواقع مؤشرات مبكرة على التراجع الانتخابي، الذي ساهمت فيه عوامل اخرى، من قبيل الاوضاع الامنية المتدهورة في محافظة الانبار ومناطق في نينوى وصلاح الدين وديالى، والفيضانات التي اجتاحت بعض مناطق الانبار نتيجة لقيام تنظيم داعش بفتح بعض السدود على نهر الفرات، اضافة الى احتمال حصول عمليات تزوير وتلاعب في مناطق حزام بغداد لمصلحة قوى سياسية نافذة.

ولأن المعنيين بزمام الامور يدركون عدم جدوى الذهاب الى التفاوض مع المكونات الاخرى من دون تكتل يعتد به من الناحيتين العددية والنوعية، لذا سارعوا الى الاعلان عن تشكيل تكتل "اتحاد القوى الوطنية"، والذي ضم ابتداء ائتلاف متحدون للاصلاح بزعامة النجيفي، والعربية بزعامة المطلك، وترافق الاعلان عنه مع اطلاق تصريحات عن قرب وصول عدد اعضائه الى ثمانين نائبا، وهذا ما اكده المطلك بقوله "ان تحالف الاتحاد الذي شكل من قبل عدد من القوى الفائزة في الانتخابات سيبلغ عدد مقاعده اكثر من 80 مقعدا، وان الاسبوعين المقبلين سيشهدان انتخاب مجلس سياسي يضم جميع اطراف هذا التحالف، كما سيتم انتخاب هيئة عامة مكونة من وزراء في حال الاشتراك في الحكومة المقبلة كما ستضم القيادات السياسية لهذا التحالف، وستكون للمكتب السياسي صلاحية استجواب ومحاسبة الوزراء والمسؤولين التابعين للتحالف، وان المشتركين في التحالف اتفقوا على تجاوز الاخطاء السابقة التي حصلت في ائتلاف العراقية، من خلال وضع بنود ونقاط لترصين التحالف".

وبحسب مصادر عديدة، هناك مفاوضات مع علاوي للانضمام الى التكتل الجديد، علما ان اكثر من اجتماع عقد مؤخرا ضم عددا من قيادات المكون السني مثل علاوي والمطلك والنجيفي واخرين، اتفقوا فيه على توحيد الرؤى والمواقف حيال العملية السياسية في المرحلة الراهنة، لكن لم تتبلور خطوات عملية تعكس وتترجم هذه المواقف النظرية، هذا في الوقت الذي تلوح في الافق خلافات وتقاطعات حول المشاركة في الحكومة المقبلة او عدم المشاركة، وحول من يشغل منصب رئيس مجلس النواب الذي من المرجح ان يكون للمكون السني، ناهيك عن ان هناك قوى سنية تبدو متذبذبة في مواقفها، وان كانت حجومها صغيرة وثانوية، وهناك قوى تتحرك علنا باتجاه، وفي السر تتحرك باتجاه اخر.

هكذا هي الصورة مرتبكة، تغيب عنها المسارات والخيارات الواضحة والمتفق عليها، واغلب الظن ستتعمق ازمة المكون السني، في ظل استبعاد تشكل محورية موجهة له ومتحدثة باسمه ومعبرة عن مطالبه ومقبولة في عموم فضائه.
2014-05-28