أوضح الصحفي والكاتب الليبي المستقل كامل المرعاش في حديث لـ " العهد الإخباري" ان معركة الكرامة التي يقودها اللواء خليفة حفتر تتمتع بدعم قوي من ضباط وأفراد الجيش الليبي الممزق في كامل التراب الليبي. واضاف ان الثورة الليبية تمت سرقتها من الجماعات المشبوهة، معتبرا ان في ليبيا ليس هناك جيش موحد وإنما مجموعات متعددة متناحرة من الميليشيات الدينية والقبلية والمناطقية وحتى العرقية وهي التي تحكم على الأرض.


*بداية .. هل ما يحصل في ليبيا اليوم انقلاب ام تصحيح لمسار الثورة؟

الحقيقة ان الحراك الذي يجري في ليبيا ومنذ اكثر من عام ونصف مضى كان حراكا مدنيا من اجل تصحيح مسار ثورة 17 فبراير التي اختطفت من قبل ميليشيات مسلحة متعددة الاتجاهات والألوان. والجميع يعرف أن ليبيا منذ أن سقط نظام القذافي تعيش فوضى لم يسبق لها مثيل في تاريخها. فقد تم مع الاسف الشديد سرقة هذه الثورة واستولت عليها الجماعات المشبوهة المتاجرة بالدين والقادمة الينا من كهوف أفغانستان فعاث أصحابها في الارض فسادا وأصبح الشعب الليبي كله ضحية لعصابات مسلحة تذبح الأبرياء وتغتال ضباط الجيش والشرطة وتنشر الرعب في المدن الليبية عن طريق السيارات المفخخة التي تقتل الناس وتدمر البيوت والمساجد والمستشفيات دون سابق انذار وتبشر بالتخلف والردة وتهدم القبور والمساجد وتنشر ثقافة التكفير وترفع الرايات السوداء الغريبة عن ليبيا والليبيين. كما تمت السيطرة على ما يسمى بالحكومة التي يتم خطف رئيسها تارة وتهديده بالقتل تارة اخرى فلم يتم تحقيق إنجاز واحد خلال ثلاث سنوات عجاف منذ سقوط دكتاتورية القذافي وفي المقابل تم تبديد المليارات من أموال الشعب الليبي وتم دفع معظمها للكتائب والجماعات المسلحة التي تنسب نفسها للثورة وتتخذ لنفسها ما شاءت من الأسماء والمسميات والرايات حتى اصبح القتل والنسف والسلب والنهب وقطع الطرق هو السمة اليومية لحياة الليبيين والليبيات ولم يعد لما يسمى بالشرعية اي معنى، حتى مل الناس وتقطعت بهم السبل وأصبحوا جميعا يتطلعون الى اي طوق للنجاة ينقذهم وينقذ الوطن من هذا الوباء الاسود ومن هذا الظلم الكارثي وهذا العبث الدموي الذي تجاوز كل الحدود.

وأمام هذا المشهد المأسوي، يقف المجلس الوطنى الليبى ((البرلمان)) الذى يحكم البلاد عاجزا عن إيجاد اي حل للخروج بليبيا من عنق الزجاجة، هذا المؤتمر هو المسؤول المباشر عن ما آلت اليه البلاد من احتقان وتأزم من جراء تبعثر وتشرذم السياسات التى يتبعها، وهو ما دفع اللواء خليفة حفتر، القائد السابق للقوات البرية في الجيش الليبي، إلى اطلاق «معركة الكرامة» كما أسماها والتى تشنها بعض من قوات من ضباط وأفراد الجيش، ضد مواقع الجماعات الإسلامية المسلحة المتطرفة، فى مدينة بنغازى بشرق ليبيا. في بنغازي وحدها تم اغتيال ما يزيد عن 300 شخصية، جلهم من ضباط الجيش والشرطة حتى ان بنغازي كان مدينة الاغتيالات والموت بامتياز عام 2013 ومسلسل القتل ما زال مستمرا.

ان معركة الكرامة التي يقودها الضباط الوطنيون في ليبيا هي ايضا معركة الدفاع الشرعي عن النفس من قبل افراد الجيش ضد التطرف والإرهاب الذي يتربص بضباط الجيش ويستهدف حتى عائلاتهم وأبناءهم. من يروج لوصف معركة الكرامة بأنها انقلاب هو المؤتمر الوطني العام الدى فقد شرعيته الاخلاقية والقانونية منذ 7 فبراير الماضي عندما فشل في قيادة ليبيا من مرحلة الثورة الى الدولة وكانجاز دستور للبلاد.

*من يدعم حفتر اليوم ومن يعارضه؟

معركة الكرامة التى يقودها اللواء حفتر تتمتع بدعم قوي من ضباط وأفراد الجيش الليبي الممزق في كامل التراب الليبي، كما ان هناك تأييداً شعبياً منقطع النظير لمعركة الكرامة في كل مناطق ليبيا وعلى وجه الخصوص في العاصمة طرابلس، اما على صعيد التأييد الاجتماعي فان جل قبائل برقة في شرق ليبيا تدعمه وخصوصا تلك المتواجدة في مناطق طبرق ودرنة والمرج والابيار والبيضاء وبنغازي، ثم تأتي قبائل ورفلة والنوايل والصيعان وتاورغاء و ورشفانة والزنتان والرجبان وغريان في غرب ليبيا، اما في جنوب ليبيا فهناك قبائل الطوارق والتبو والحساونة وأولاد ابوسيف والمشاشية وكلها تدعم معركة الكرامة وإعادة هيبة الجيش الوطني الليبي والشرطة. اما من يعارض معركة الكرامة التى يقودها حفتر ويصفها بالانقلاب فهي القوي الاسلاموية من الليبية المقاتلة وأنصار الشريعة وأيضا بعض ميليشيات الامازيغ في زوارة ونالوت وبعض ميليشيات دروع مصراته.

*هل باتت ليبيا على خطى مصر؟

في الحقيقة بالرغم من تقاطع الحالة المصرية مع الحالة الليبية في ضرورة انقاذ البلاد، إلا ان ليبيا تختلف كثيرا عن مصر، التركيبة السكانية مختلفة، مصر مجتمع هيدروليكي مبني على الاستقرار وعلى سيطرة المدن الكبرى، وله تقاليد قديمة وتاريخية في احترام التنظيم الهرمي على كامل رقعة الإقليم، في حين ان ليبيا هى عبارة عن تجمعات قبلية وبدوية مشتته، ومن هنا تأتي صعوبة السيطرة على الاقليم الليبي من قبل قوة مركزية إلا من خلال عقد تحالفات قبلية ومناطقية، تهيمن على الباقي وتقود البلاد. القذافي نجح الى حد بعيد في توظيف العامل القبلي حتى يستمر في الحكم لمدة طويلة ((42 عاما)) رغم ان قبيلته قليلة العدد وليس لها القوة المادية التى تمكنها من حكم رقعة جغرافية واسعة. وبالتالي اذا لم يتمكن اللواء حفتر من حسن استخدام ورقة القبيلة لمصلحة معركة الكرامة فانه لن ينجح في السيطرة على كامل التراب الليبي. بالإضافة ايضا الى العامل الخارجي الاقليمي والدولي الدى كان حاسما في اسقاط القذافي ويظل ايضا حاسما في تحديد شكل الدولة الليبية مستقبلا.

*هل تتوقعون ان تهدأ الاوضاع في ليبيا وهل بإمكان حفتر ان يقضي على الجماعات الارهابية؟

اذا استطاع حفتر ضم اعداد اكبر من افراد الجيش الليبي الممزق، وحصل على السلاح النوعي الكافي وحشد تأييد شعبي وقبلي من خلال اقناعه بأنه لا يسعى الى بعث دكتاتورية عسكرية جديدة وأيضا الحصول على دعم مادي وسياسي من عواصم القرار الاقليمي والدولي، فان الاجابة نعم فانه سوف يتمكن من سحق الارهاب والتطرف في ليبيا. لكن دون توافر هذه الشروط فان المهمة ستكون شاقة ومكلفة وطويلة الامد.

*ما مدى درجة خطوة هرب التنظيمات الارهابية من ليبيا الى دول الجوار مع اشتدادا الحصار عليها؟

للأسف الشديد هذه التنظيمات تسرح وتمرح في كامل ليبيا دون حسيب او رقيب، ويتوافر لها ثالوث المال والسلاح والرجال. ليبيا اصبحت حاضنه للتطرف والإرهاب، هناك عشرات المئات من الافغان والباكستانيين والسعوديين والتونسيين والجزائريين واليمنيين والسوريين والسودانيين والموريتانيين والمصريين، وهؤلاء يتمتعون برعاية عناصر المجموعة الليبية المقاتلة التي يسيطر اعضاؤها على المفاصل الامنية والسياسية والامنية في ليبيا. هناك عشرات معسكرات انصار الشريعة لتدريب هؤلاء واستقطاب الجدد منهم، خصوصا في درنة وصبراته واوباري ومزدة وسرت وبنغازي. وهناك من هؤلاء من هو ضالع في عمليات القتل والاغتيال في بنغازي. ان امكانية تنقلهم الى دول الجوار في حالة الحصار عليهم، هي مسألة في غاية السهولة، نظرا للحدود الطويل واغلبها مناطق صحراوية وغير اهلة بالسكان وبالتالي من المستحيل مراقبتها بشكل فعال، خصوصا الحدود مع مصر وتونس والجزائر، ناهيك عن جنوب ليبيا المنسي امنيا والذي يعج بكل انواع التهريب من سلاح وحتى بشر.

*ما تداعيات ما يحصل في ليبيا على دول الجوار؟

الارهاب والتطرف لا يعترف بالحدود الجغرافية. الارهاب الاسلاموي هو ظاهرة قارية، وبالتالى ان منطقة شمال افريقية وحتى منطقة الساحل والصحراء سوف تتأثر مباشرة بأوضاع ليبيا. ما حصل ويحصل في جبل الشعائبي بتونس ليس بعيدا عن ما يجري في ليبيا، ما حصل في عين امناس بالجزائر هو الاخر ليس ببعيد، وما حصل وسيحصل في شمال مالي وقريبا جدا في النيجر يجد امتداداته في جنوب ليبيا. اما شرقا فان كميات السلاح التي دخلت مصر من ليبيا كفيلة بزعزعة مصر لسنوات طويلة. اذاً نحن نتكلم عن حركات عابرة للحدود واستطاعت الاستفادة القصوى من عدم وجود الدولة في ليبيا، ونظمت نفسها وخلقت شبكة عنقودية معقدة للاتصالات والتنقل يصعب اختراقها حتى الان من قبل كل جواسيس الاجهزة الاسخباراتية الغربية والعربية وحتى التشادية التى هي الاخري تسرح في طول البلاد وعرضها.

*على الارض ما هي المناطق التي بات يسيطر عليها حفتر؟

قوات الجيش الوطني الليبي التى يقودها اللواء خليفة حفتر ((ليس المتقاعد وإنما المحال للتقاعد مع 450 ضابطا من الجيش الليبي من قبل من سمى نفسه بالقائد الاعلى للقوات المسلحة، وهو رئيس المؤتمر الوطني العام)) تسيطر الان على كامل المنطقة الشرقية التي تمتد من طبرق في اقصى شرق ليبيا الى مشارف مدينة بنغازي. قوات معركة الكرامة تسيطر على ثلاث قواعد جوية هي قاعدة طبرق، وقاعدة الابرق وقاعدة بنينة الجوية في بنغازي. نحن نتحدث عن ما يقارب نصف مساحة ليبيا الجغرافية اذا اضفنا اليها مناطق مؤيدة لهذه المعركة في عدة مدن في غرب ليبيا وخصوصا نصف العاصمة طرابلس من خلال التحالف غير المعلن ضد نفوذ الاسلاميين الذي تقوده كتيبتا الصواعق والقعقاع المحسوبة على قبيلة الزنتان والتي منعت حتى الان سيطرة ميليشيا ما يسمى بـ غرفة ثوار ليبيا الى جانب كتيبة النواصي التي تتبع الجهادي عبد الحكيم بالحاج.