ارشيف من :آراء وتحليلات

سياسات اليمين الأوروبي: تطرف ووحشية

سياسات اليمين الأوروبي: تطرف ووحشية
سياسات اليمين المتطرف في بلدان الغرب لا يمكن أن تكون أكثر عداءً لمصالح الشعوب في العالمين الثالث والعربي من سياسات الحكومات الحالية.

الانتصارات التي حققتها أحزاب اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي هي انعكاس للأزمات الكبرى التي تعاني منها بلدان الغرب. كما تنبئ بحدوث تغيرات مستقبلية من المبكر تحديد تداعياتها السلبية أو الإيجابية.

صدمة. هزة أرضية. أمر مؤسف، مفاجأة... بهذه التعابير وأمثالها استقبلت النخب الأوروبية الحاكمة الانتصار المجلجل الذي حققته، في معظم بلدان أوروبا، الأحزاب الموصوفة بأنها يمينية متطرفة وعنصرية وفاشية، في الانتخابات التي جرت لاختيار أعضاء البرلمان الأوروبي بين 22 و25 من أيار / مايو المنصرم.

تقدم كاسح


فقد فازت هذه الأحزاب بما مجموعه 130 نائباً من أصل 750، ما يشكل تقدماً كبيراً بالمقارنة مع الـ 40 مقعداً التي كانت قد فازت بها في انتخابات العام 2009. ولكن التقدم الأكبر هو في كون العديد من هذه الأحزاب قد أصبحت تحتل المركز الأول في بلدان أساسية، كما هو حال حزب "استقلال المملكة المتحدة" (يوكيب) الذي فاز بأصوات 33 بالمئة من المقترعين في بريطانيا، أو حزب "الجبهة الوطنية" التي فازت بأصوات ربع المقترعين في فرنسا. أما الأحزاب التي لم تحتل المركز الأول في بلدانها، فقد حققت بمعظمها تقدماً لا يستهان به.

اليمين المتطرف الأوروبي يطالب بالخروج من منطقة اليورو، ويعارض قيام المنطقة الحرة بين أوروبا وأميركا الشمالية، ويعادي سياسات الشركات العابرة للقارات
ومن المنتظر لهذا التقدم أن يعكس نفسه على مستوى مختلف العمليات الانتخابية البلدية والتشريعية والرئاسية، على طريق التحول الشامل لبلدان القارة الأوروبية نحو اليمين المتطرف، مع كل ما يعنيه ذلك من تغيرات كبرى ليس فقط على مستوى أوروبا، بل أيضاً على مستوى العالم.

ومن الطبيعي للقوى السياسية التي تعتبر نفسها يمينية معتدلة أو يسارية أن ترفع من منسوب خطابها القائم على " شيطنة" اليمين المتطرف بوصفه مرادفاً لجميع الشرور. والحقيقة أن سياسة الشيطنة التي لم تحل في الماضي وحالياً دون استمرار شعبية اليمين المتطرف في الارتفاع لا تبدو مؤهلة لأن تحقق أهدافها في المستقبل القريب أو البعيد.

سياسات اليمين الأوروبي: تطرف ووحشية
الاتحاد الاوروبي

أما السبب فهو فشل السياسات الرسمية، ومنها سياسات اليسار الاشتراكي الحاكم في بلدان كفرنسا، في تقديم حلول لمشكلات اقتصادية واجتماعية أساسية خارج تلك التي تمليها مصالح السوق الحرة وكبار الرأسماليين المحليين والدوليين. فسياسات التقشف القائمة على نسف ما تبقى من مكتسبات تحققت في ظل دولة الرعاية، وهجرة الرساميل والصناعات نحو البلدان الصاعدة، وضخامة المديونيات الحكومية، أدت إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر ووضعت معظم البلدان الأوروبية على حافة الإفلاس.

هذا يعني أن هذه السياسات هي المسؤول الأول عن ارتفاع شعبية اليمين المتطرف الذي يطرح شعارات تتهم عادة بأنها ديماغوجية وشعبوية، ولكنها تظل، نظرياً على الأقل، أكثر تحسساً لمشكلات الطبقات والفئات التي تسحقها الآلة النيوليبرالية والرأسمالية المتوحشة، في وقت تحولت فيه أحزاب اليسار إلى أدوات في خدمة اقتصاد السوق.

يمين متطرف... بخطاب تحرري

فما الذي يمكن انتظاره مثلاً من الناخب الفرنسي الذي يعطي صوته عادة لليسار (لوحظ أن غالبية من صوتوا للجبهة الوطنية هم من العمال والطلاب والعاطلين من العمل، وحتى من أبناء المهاجرين الذين يفترض بهم أن يكونوا الأشد خوفاً من صعود اليمين المتطرف)، ما الذي يمكن انتظاره منه غير أن يصوت لليميني المتطرف الذي يطرح نفسه كمدافع عن الاستقلال الوطني وعن حقوق الفئات المحرومة؟

وكيف يمكن لهذا الناخب ألا يرى في "الجبهة الوطنية" خير ممثل لطموحاته وخصوصاً أنها تطرح برنامجاً يقوم على مطلب الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي أصبح مؤسسة تخدم النخب الرأسمالية على حساب شعوب أوروبا؟ أو على معارضة منطقة التبادل الحر بين ضفتي الأطلسي بوصفها "آلة حرب ليبرالية متطرفة معادية للديموقراطية وللاقتصاد والمجتمع" تديرها الولايات المتحدة الأميركية؟ أو على إدانة الشركات العابرة للقارات بوصفها مسؤولة عن الهوة المتزايدة العمق بين مداخيل 10 بالمئة من سكان الكوكب يسيطرون على 90 بالمئة من الثروات، ومداخيل 90 بالمئة لا يحصلون إلا على 10 بالمئة من الثروات؟

شيطنة اليمين المتطرف واتهامه، من قبل النخب الحاكمة، بالعنصرية والفاشية لم يحولا دون اتساع نفوذه بين الأوساط الشعبية في أوروبا
شعارات قد تكون انتهازية وديماغوجية وشعبوية، لكنها تحظى، في الواقع، بتأييد متزايد في الشارع الأوروبي. وإذا حدث لها أن كانت شعارات خادعة وأدت في حال وصول الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى الحكم، فإنها لن تلحق بشعوب أوروبا والعالم أضراراً أكبر من تلك التي ألحقتها وتلحقها بها الحكومات الحالية.

بالنسبة للسياسات الخارجية، فإن سياسات اليمين الأوروبي المتطرف، وقد أثبتت ذلك أكثر من مرة، لا يمكنها أن تكون، مهما كانت عنصرية وفاشية، أكثر تطرفاً ووحشية من سياسات "المعتدلين" المسؤولة عن الويلات والحروب التي تعاني منها شعوب العالم الثالث، وفي مقدمتها شعوب العالم العربي.

2014-06-02