ارشيف من :آراء وتحليلات

إنفصال شرق أوكرانيا: حق لا يمكن منعه

إنفصال شرق أوكرانيا: حق لا يمكن منعه
ما زالت السلطات الأوكرانية، تمارس أنواعاً مختلفة من اساليب القمع ضد الانفصاليين في شرق البلاد. منذ انفصال القرم عن أوكرانيا وانضمامها إلى روسيا، بدأت السلطات بحملة ما اسمته "الحرب على الارهاب" في شرق أوكرانيا، ضد سكان المناطق الشرقية، التي تطالب بالانفصال والانضمام إلى روسيا، لما لها من صلات تاريخية، ثقافية، عرقية واثنية معها.

وعلى الرغم من الاستفتاء الذي حصل في 11 أيار الفائت، وكانت نتيجته واضحة لمصلحة الانفصال، إلا أن القوات الاوكرانية اختارت أن تشدد حملتها العسكرية ضد الانفصاليين في منطقة دونيتسك ومنطقة لوغانسك ومدينتي سلافيانسك وكراماتورسك، ما ينذر بتوسع الحرب الأهلية بالبلاد نتيجة ما يحصل من إراقة للدماء.

وقد ارتكبت سلطات كييف جرائم عديدة بحق الانفصاليين، أبشعها كان محرقة اوديسا التي تطالب السلطات الروسية الأمم المتحدة بالتحقيق بها، نتيجة شكوك تحوم حول استخدام سلطات كييف الكيميائي ضد المتظاهرين السلميين. ولا تأبه كييف بحقوق هؤلاء ضاربةً عُرْضَ الحائط بحقهم في الحياة وتقرير المصير، وغير آبهة بكل شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، لأن هناك من يغطي أعمالها في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

الانفصال شكل من اشكال الحق في تقرير المصير

يعتبر الانفصال من الحقوق التي تقر بها الشرائع الدولية، وهو ينبع من سيادة الشعب، التي تعني استقلالها وحقه في اختيار طريقة حياته ومكانها استناداً لإرادته والتقاليد والاعراف والقيم الثقافية لديه. وهذا المبدأ يتجلى بالممارسة بالديمقراطية المباشرة (الاستفتاء والانتخابات بكافة مستوياتها)، وقد تضمنت العديد من الدساتير على حق الانفصال، فمثلاً تضمنت دساتير الاتحاد السوفياتي لأعوام 1924 و1936 و1977 جميعها حق انفصال الجمهوريات الاتحادية.

إنفصال شرق أوكرانيا: حق لا يمكن منعه
أوكرانيا وروسيا

ويكّرس حق الانفصال، من خلال مبدأ الحق في تقرير المصير، كما كرسه ميثاق الأمم المتحدة والإعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول طبقاً لميثاق الأمم المتحدة. فمعظم إعلانات الأمم المتحدة تؤكد على حق الشعوب بتقرير المصير دون تفرقة أو تجزئة ودون النظر إلى هذا الموضوع بمعايير وموازين مزدوجة.

وقد جاء في المادة السابعة من التعريف الصادر عن الجمعية العامة الأمم المتحدة انه "ليس في هذا التعريف عامة، ولا في المادة الثالثة خاصة، ما يمكن أن يمس على أي نحو بما هو مستقى من الميثاق من حق في تقرير المصير والحرية والاستقلال للشعوب المحرومة من هذا الحق بالقوة والمشار اليها في اعلان مبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول".
معظم إعلانات الأمم المتحدة تؤكد على حق الشعوب بتقرير المصير

وأكدت المادة الأولى من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، أن "لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها". وكذلك أشار العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى أنه على الدول الأطراف في هذا العهد، بما فيها الدول التي تقع على عاتقها مسؤولية إدارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والأقاليم المشمولة بالوصاية أن تعمل على تحقيق حق تقرير المصير وأن تحترم هذا الحق، وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة.

لقد تأسست دول كثيرة بعد حصولها على الانفصال، ففي بداية الثلاثينيات من القرن التاسع عشر تمكنت فنزويلا من الانفصال عن كولومبيا العظمى، فيما انفصلت سنغافورة في العام 1965 عن دولة ماليزيا الفيدرالية.

عدم السماع لصوت الشعب يعتبر انتهاكاً لحقوق الإنسان

وبما أن سكان مدن شرق أوكرانيا يريدون جميعهم الانفصال بشكل سلمي، وهذا ما أكده الاستفتاء الذي جرى، فلا يحق للسلطات قمعهم، بل يجب عليها احترام إرادتهم واختياراتهم. ولكن على ما يظهر، فإن أوكرانيا ترفض هذا الحق، لأن مصالحها الآنية الاستراتيجية، الاقتصادية، السياسية، والامنية، تفرض ذلك.
 الاستمرار في القمع من قبل كييف يعتبر خرقا للقانون الدولي وحقوق الانسان

ومع أنه يجب الرجوع إلى الحقوق والحريات الاساسية للمواطنين، وفي مقدمتها الحق بالحياة الذي يؤكده الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، إلا انه قد يكون هناك سبيل للحل بين الطرفين من خلال التحكيم الدولي، فهو وسيلة يلجأ إليها لحل أي خلاف دولي، علماً أنه يكون بين دولتين ولكن يمكن اللجوء له، كما يمكن اللجوء إلى تسوية الخلاف عن طريق المفاوضات.

أما الاستمرار في القمع من قبل كييف، فإنه يعتبر خرقا للقانون الدولي وحقوق الانسان، لأن القانون الدولي يحظر القمع والتعذيب، كما أن الاعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يؤكد حرية الرأي والتعبير وتقرير المصير، يؤكد الحق في الحياة لكل إنسان، وبالتالي يمنع التعرض لحياة المواطنين الذين يعبرون عن رأيهم بطريقة ديمقراطية.
2014-06-03