ارشيف من :آراء وتحليلات
العراقيون والامام الخميني من النجف الى ايران
هناك بعدان في طبيعة العلاقة التي تربط العراقيين بقائد الثورة الاسلامية الايرانية الامام الخميني (قدس سره). البعد الاول يتمثل بالفترة الزمنية التي قضاها الامام الخميني في العراق، وتحديدا في مدينة النجف الاشرف (1965-1978)، حيث كان يمارس دوره العلمي الديني في الحوزة العلمية، الى جانب قيادته العمل السياسي المعارض لنظام الشاه في ايران.
وقد استثمر الامام الخميني وجوده في العراق لمدة اربعة عشر عاما ليعطي للعمل السياسي المستند الى اسس ومرتكزات دينية افقا عالميا تجاوز الاطر والحدود المناطقية والمذهبية الضيقة.
اما البعد الاخر فقد تمثل بالوجود العراقي الكبير في الجمهورية الاسلامية الايرانية بعد انتصار الثورة في عام 1979، ذلك الوجود الذي فرضته ظروف سياسية قاهرة، عكست في جانب كبير منها السياسات القمعية الاستبدادية لنظام حزب البعث حينذاك، وهذا البعد بدا في واقع الامر مكملا للبعد الاول.
الامام الخميني
فالامام الخميني حرص على ايلاء اكبر قدر من الاهتمام بالعراقيين المهجرين والمهاجرين الى ايران، لمعرفته واحاطته الواسعة والعميقة بصدق توجهاتهم وولائهم لاهل البيت عليهم السلام وما تحملوه من مظلومية على يد النظام الحاكم بسبب تلك التوجهات، ومن اجل تقديم الدعم والعون والاسناد لهم في عملهم المعارض لنظام صدام، طيلة عقدين من الزمن.
ولم ينطلق المفكر والفيلسوف الكبير الشهيد السيد محمد باقر الصدر في موقفه الداعم والمساند للثورة الاسلامية الايرانية من فراغ، وانما جاء ذلك الموقف مستندا الى رؤية عميقة لمكانة وتأثير وصدق واخلاص وشجاعة الامام الخميني، لذلك لم يكن غريبا ان يقول قولته الشهيرة (ذوبوا في الامام الخميني كما ذاب هو في الاسلام).
والشهيد الصدر دفع حياته ثمنا لذلك الموقف التأريخي الشجاع الذي لم يتجرأ الكثيرون على اتخاذه، وكان الشهيد الصدر يعرف الامام الخميني حق المعرفة، كعالم دين ومرجع ورجل سياسة مجاهد من الطراز الاول. وقد كانا قريبين من بعضهما البعض لما يقارب خمسة عشرة عاما.
وهكذا بالنسبة لعلماء ورجال دين عراقيين اخرين تعاملوا مع الامام الخميني خلال فترة وجوده في العراق، ومن ثم في ايران حينما هاجروا الى هناك وتصدوا لمسيرة العمل السياسي المعارض، وفي مقدمتهم الشهيد السيد محمد باقر الحكيم.
وبعد خمسة وعشرين عاما على رحيله، يستذكر العراقيون الامام الخميني بقدر كبير من التقدير والاجلال والاحترام، كما يستذكره غيرهم في الكثير من دول العالم.
شخصية مؤثرة وشجاعة
رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي السيد عمار الحكيم يؤكد في حديثه لموقع "العهد الاخباري"،"ان الامام الخميني كان شخصية مؤثرة، انطلق في حركته من رؤيته الإسلامية فاوجد التغيير الكبير نحو الأفضل ونحو الإصلاح، وكان متفهما للواقع ومدركا لطبيعة معركته مع الشاه الذي كان يمثل شرطي المنطقة ورمزا للاستكبار، وكان مؤمنا بالله وبوضوح السنن الإلهية، ومثل القائد الحاسم المتواضع الذي يمزج بين الإرادة والسياسة، فالأولى تحتاج للشجاعة والثانية تحتاج الواقعية، وانه كان يمتلك إرادة فولاذية وشجاعة بإيقاف القتال في الحرب التي شنها النظام الصدامي عليه وعبر عنها بتجرع السم، وانه كان محبا مثلما هو الآن الإمام الخامنئي دام ظله الذي ورث منه حب الشعب العراقي ومعرفته لكل تفاصيل المجتمع والشخصية العراقية، والامام الخامنئي يمثل خير خلف لخير سلف" .
من الرجال النوادر
أما امام جامع براثا في العاصمة بغداد الشيخ جلال الدين الصغير فيقول لـ"العهد"،"انه الرجل الذي ادخل التشيع من اوسع ابوابه الى كل محافل الدنيا بطريقة فيها الكثير من العز والكرامة, الذي كان يحمل عمامة الشيعة التي كانت تدخل الى الامم المتحدة والى غيرها وهي ترفل بالعز رغم العيون التي كانت تتلمظ وهي ترى هذه العمامة التي كانت تذكر بعلي بن ابي طالب وسطوته, هذا الرجل الذي اعاد للسياسة مفاهيمها الاخلاقية واخرج دولة كبرى من صراع الدول الاستكبارية وجعلها تسير في طريق الاستقلال الجاد حتى تحولت رغم كل الحصارات الى دولة متقدمة جداً وما من ثمر فيها الا ويعود الى هذا الرجل العظيم، الذي كانت كل ثورته تتلخص بأن كل ما لدينا من عاشوراء. وهو من الرجال النوادر الذين انزلوا العقائد من الافكار الى الارض وراح يحولها الى مؤسسات والى قوى والى جهات حققت من بعد ذلك الكثير الكثير مما يفتخر به الانسان وما يعتز به المرء".
شخصية واعية وشجاعة
محافظ البصرة الدكتور ماجد النصراوي، من جهته، يقول عن الامام الثائر الخميني انه "كان تلك الشخصية التي عجنت بماء الفقاهة والشجاعة وجمعت بين العلم والعرفان وخصائص القيادة المتميزة التي انتهت الى حركة تيارية وظاهرة ثورية ومنهج تغييري سلكته قوى التحرر في العالم.
ويلفت النصراوي، لـ"العهد"، في الوقت نفسه إلى أن الامام الراحل كان شخصية علمية واعية مدركة لمتغيرات الزمان والمكان ومتزنة قوية في قرارها، شجاعة في خياراتها تزحف نحو النصر ولا تعرف المستحيل ولم تصغ لأراجيف المرجفين.
النموذج الانساني المتميز
بدوره، الناشط السياسي ورئيس مؤسسة نفكر للثقافة والاعلام جمعة العطواني، يشير لـ"العهد"، الى ان الامام الخميني مثل الشخصية المتعدد الجوانب والابعاد، انطلاقا من كونه مرجعا دينيا، واستاذا رائدا في الحوزة العلمية ومناضلا شجاعا تصدى لاعتى واشرس نظام استبدادي ديكتاتوري في عهده ، فضلا عن انه كان يمثل قمة في الزهد والتقوى والتواضع، بعبارة اخرى انه مثل النموذج الانساني والاسلامي الرائع والمتميز.
ويشدد العطواني على المواقف التأريخية المشرفة للامام الخميني في دعمه ومساندته للعراقيين وهم يواجهون الظلم والاستبداد والطغيان المماثل لما واجهه الشعب الايراني لعدة عقود من الزمن.
رائد التغيير الحقيقي والتحول التاريخي
من جانبه، يقول رئيس الجامعة الاسلامية وامام جمعة النجف الاشرف السيد صدر الدين القبانجي "ان الامام الخميني قدس سره الشريف قاد ثورة واسس نظاما وفقا لاصول الفقه الشيعي باليات جديدة، حيث انه لم يقم بانقلاب عسكري، انما قاد ثورة شعبية بأقصى معاني الكلمة وعلم الشعوب كيف تتحرك وتقود زمام الامور، ولم يكن يتردد اضافة الى الوضوح الذي كان يمتاز به وهذه هي صفات القادة.
ويؤكد السيد القبانجي، لـ"العهد"، انه "ما جعل من ثورة الامام الخميني تأريخية هو انه قدس سره الشريف لم يكتف بالمرحلة الاولى وهي اسقاط النظام، انما نجح في التاسيس لنظام سياسي جديد ثم المحافظة عليه، حيث ان راية الثورة الاسلامية ما تزال وعلى مدى خمسة وثلاثين عاما ترفرف بقيادة تلميذه وخليفته اية الله العظمى السيد علي الخامنئي، وان تلك الثورة قامت على مبادئ اساسية هي، ان القرار السياسي بيد الشعوب، والاستقلال عن الشرق والغرب، والعودة الى الله باعتبار انها وحدها طريق النجاة، وحضور المرأة في الميدان السياسي، واشراف العلماء على التجربة السياسية، والصمود يصنع النصر، والتعايش السلمي في الداخل والخارج، والعودة الى التقسيم القرآني في تنوع البشرية، واعتماد العلم والتكنولوجيا والخطاب المذهبي المعتدل".
هذه قد تكون غيضا من فيض مما يقوله ويتحدث به العراقيون من علماء ورجال دين ومفكرين ومثقفين وساسة عن الامام الخميني الذي عرفوه في بلدهم وعرفوه في بلده.