ارشيف من :آراء وتحليلات
’إسرائيل’ تنتظر خطأ الخاطفين.. ومعركة القمع والحصار فشلت
ينتهي الأسبوع الأول لاختفاء المستوطنين الثلاثة في الضفة الغربية المحتلة، من دون نجاح إسرائيلي في الكشف عن مصيرهم. الفشل والإخفاق الابتدائيان، اللذان مكنا المنفذين من تنفيذ العملية، أضيف إليه إخفاق وفشل إسرائيليان آخران، يرتبطان بتعقب الخاطفين ومكان احتجازهم للمخطوفين وتحديد هوية الجهة الخاطفة، رغم كل رواية الاتهام الإسرائيلية المساقة ضد حركة حماس وعناصرها وقيادييها.
تبدو إسرائيل خلال الأيام القليلة الماضية مشحونة إلى أقصى حدود الشحن، وكأنها تقود حربا عسكرية كبرى في وجه فيالق وألوية معادية في الضفة الغربية المحتلة، مصحوبة بحملة إعلامية واسعة النطاق، استطاعت حتى الآن أن تحرف أنظار الإسرائيليين عن المسعى الأساسي الذي يتطلعون إليه: إطلاق سراح المخطوفين.
ورغم كل الروايات و"البطولات" الميدانية في قمع الفلسطينيين والتنكيل بهم وحملة الاعتقالات الواسعة بحقهم، بما يشمل حصار مدنهم وبلداتهم، إلا انه يوجد في الميدان لاعب واحد، وهو الجيش الإسرائيلي، في مواجهة فلسطينيين عزل، مع تغطية سياسية وميدانية، للأسف، من قبل السلطة الفلسطينية، التي أعلنت بعد تردد تحيزها الواضح إلى جانب الاحتلال.
مع ذلك، الحملة الإسرائيلية جبت قليلا من الانجازات، التي تحاول من خلالها إخفاء الإخفاقات، وذلك في إطار سياسة تحويل التهديد إلى فرصة. هل ستنجح إسرائيل في مسعاها؟ سؤال لا يمكن الإجابة عنه سريعا وإن كانت معالم الإجابة شبه واضحة. المؤكد حتى الآن، أن الاحتلال اخفق إخفاقا كبيرا جدا في صد عملية خطف طالت مستوطنيه في "حديقته الخلفية"، الضفة الغربية، والتي تعد جزءا من "البيت الإسرائيلي الداخلي".
في إطار ذلك، لا بد من الإشارة إلى النقاط التالية:
أولا. بدا واضحا، ومنذ اليوم الأول لعملية الخطف، مستوى الإرباك الإسرائيلي في التعاطي مع العملية، التي بدت لتل أبيب مسبقا أنها مشغولة بطريقة حرفية يصعب معها التوصل إلى حل ميداني سريع، يمكنها من إطلاق سراح المخطوفين الثلاثة. تصريحات المصادر العسكرية والأمنية للاحتلال كانت واضحة ومباشرة، بأن عملية البحث والوصول إلى خواتيمها، ما زالت طويلة وغير منظورة، إلا في حال أقدم الخاطفون على ارتكاب خطأ تتطلع إليه الاستخبارات الإسرائيلية، ويجري تسميته بـ"الخطأ الذهبي"، وتحديدا ما يتعلق بخطأ تكنولوجي في مجال الاتصالات والسايبر.
كان على طاولة التقدير لدى المجلس الوزاري المصغر، بحضور نتنياهو وكبار مسؤولي أجهزته الأمنية، أسئلة تتجاوز الإخفاق الميداني والفشل المتوقع في صد عملية الخطف والمعالجة العملية على الأرض. هي أسئلة ترتبط بالصورة وبتداعيات الخطف في الضفة الغربية، وإظهار إسرائيل بصورة غير المقتدرة استخباريا وميدانيا، الأمر الذي يثقب الردع الإسرائيلي ثقبا يدفع الفلسطينيين إلى مزيد من عمليات الخطف.
كان واضحا ضرورة العمل لمنع هذه التداعيات، عبر جملة من الأساليب والطرق، وفي مقدمتها إفهام الفلسطينيين أن عملا كهذا لا يمر من دون دفع أثمان. طرح على طاولة البحث النتيجة المتوخاة، وهي جعل ثمن الخطف اكبر بكثير من فائدته من ناحية الفلسطينيين، وطلب من الأجهزة الأمنية تحقيق هذه النتيجة، لكن الطريقة الوحيدة كانت عبر التنكيل والحصار والاعتقالات، الأمر الذي تعتاده إسرائيل وتتفنن به جيدا.
أجاد جيش الاحتلال في تنفيذ المهمة بالتزامن مع حملة حرب نفسية واسعة رافقته. الاعتقالات كانت واسعة جدا، والحصار كان محكما، إلا أن الأيام الأخيرة شهدت تراجعا في فاعلية هذه الإجراءات التي وصلت إلى القمة وبدأت باجترار نفسها، ما انعكس سلبا على أصل فاعلية عمليات القمع في الوعي الفلسطيني الجمعي.
ثانيا. حاولت تل أبيب أن تستغل عملية الخطف لتحقيق جملة من الأهداف المرتبطة بصراعها مع الفلسطينيين، ضمن سياسة تحويل التهديد إلى فرصة. طرح على جدول البحث ثلاثة أهداف، وقادها رئيس الحكومة الصهيونية بنفسه إلى جانب وزرائه وقادة أجهزته الأمنية، وهي: إنهاء المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس؛ دفع الغرب إلى تبني رواية إسرائيل حول حكومة الوحدة؛ وإنهاء وجود حركة حماس ماديا في الضفة الغربية.
في هذا الإطار، حقق الاحتلال نجاحا جزئيا، رغم أن النجاح استند تحديدا على تجاوب رئيس السلطة، محمود عباس، وتبنيه لرواية الإسرائيليين حول عملية الخطف. بل وتبرير أفعاله العدائية بحق الفلسطينيين في الضفة، وأكثر من ذلك، الأوامر الصادرة عنه للأجهزة الأمنية الفلسطينية كي تساند الجيش الإسرائيلي في حملته القمعية في الضفة.
ثالثا. رغم كل المقاربة الإسرائيلية، وتجاوب السلطة معها، ورغم تفهم الغرب للإجراءات العقابية بحق الفلسطينيين، إلا أن عملية العقاب لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، وبالتالي محدودية تأثيرها في الوعي الفلسطيني. يوجد حد تدرك تل أبيب أنها لا يمكن أن تتجاوزه، في ظل الخط الأحمر الذي وضعته لنفسها، وعبر عنه أكثر من مسؤول إسرائيلي: الامتناع عن التسبب بانتفاضة ثالثة، أو الانجرار إلى حرب مع قطاع غزة، رغم الاستعداد الميداني لمواجهة الفرضيتين المرفوضتين.
يوجد في الضفة الغربية 700 ألف فلسطيني محاصر، بإمكانهم إمرار عمليات القمع والحصار أياما أخرى، خاصة مع تغطية السلطة لإجراءات الاحتلال، إلا أن هذه الحالة لا يمكن أن تستمر طويلا من دون ردود فعل، ليست بالضرورة ردود فعل عسكرية أو أمنية، لكنها من ناحية الاحتلال قد تكون ردود فعل أكثر خطورة من الفعل العسكري والأمني: انتفاضة ثالثة تعيد الاحتلال سنوات طويلة إلى الخلف. وهذا المحظور يضغط بشدة على الحملة الإسرائيلية للإسراع بها وعدم الذهاب بها بعيدا.
رابعا. يمكن القول، أيضا، إن الهدف الإسرائيلي من المعركة القائمة حاليا، والمتمثل بمنع تبلور تداعيات خاصة لعملية الخطف لدى الفلسطينيين، وإفهامهم أنها لم تمر بلا أثمان تفوق ما يتوقعونه من العملية نفسها، معركة خسرتها إسرائيل. لم يتشكل في الوعي الفلسطيني، كما هو مخطط من قبل تل أبيب، بأن عملية الخطف كانت فاشلة لأنها ألحقت أضرارا بهم أكثر مما يتوقعونه منها، وهو تحرير أسرى فلسطينيين. ورغم تركيز رئيس السلطة على هذه الناحية تحديدا، إلا أن الوعي الجمعي الفلسطيني رافض لهذه المقاربة.
يمكن لإسرائيل فقط، أن تغير في الوعي الفلسطيني، من خلال إجراءات عدائية أكثر قسوة وإجرامية مما تقوم به الآن، على أن تكون إجراءات ممتدة زمنيا، وهو أمر تمتنع عنه لأنه سبب كاف لدفع الفلسطينيين لتجاوز الخطوط الحمراء: انتفاضة ثالثة. من هنا، بدأ الإعلام العبري يسأل مسؤوليه في تل أبيب: "إلى أين"؟ وشددت التقارير الإعلامية وتحليلات الخبراء على السؤال الأكثر إلحاحية: ماذا تفعل إسرائيل في ظل اجترار مواقفها؟ وأين بات الهدف والمسعى الأساسيان بإطلاق سراح المخطوفين.
خامسا. والأهم، هو أن تل أبيب كررت خطأها عام 2006، عشية شنها الحرب على لبنان والمقاومة، أي وضع أهداف الحملة العسكرية والأمنية والسياسية اكبر وأوسع بكثير مما هي قادرة على تحقيقه، وبالتالي حكمت على الحملة منذ البداية بالفشل.
المستوطنون الثلاثة
عام 2006 وضعت إسرائيل أهدافا لحربها على لبنان، وكان في مقدمتها هدفان اثنان: اقتلاع حزب الله من الأراضي اللبنانية، وإعادة الجنديين الأسيرين بلا قيد أو شرط. وفي اليوم الأخير للحرب، بعد الإعلان عن وقف الأعمال العدائية، بدأ الجمهور الإسرائيلي وإعلامه وخبراؤه وسياسيوه يقيسون نتائج الحرب قياسا بالأهداف المرسومة لها، فكانت النتيجة فشلا ذريعا يفوق الفشل الميداني الذي مُني به جيش الاحتلال ميدانيا في مواجهة المقاومة.
الأمر يعيد نفسه حاليا، والخطأ نفسه. وضعت إسرائيل هدفا للعملية الحالية في الضفة الغربية من اتجاهين: اقتلاع حركة حماس وإعادة المخطوفين بلا قيد أو شرط. وحتى الآن لم تحقق إسرائيل الهدف الأول، بل لا يمكنها أن تحققه، وهو خارج القدرة العملية والواقعية. فيما الهدف الثاني، إعادة المخطوفين، الذي عملت على رده إلى الخلف على حساب الحملة العسكرية والقمعية نفسها، لا توجد أي إشارة على إمكانية تحقيقه، حتى الآن، بل يوجد نوع من القصور المعلن استخباريا وميدانيا، الذي دفع إلى تجنيد أعداد كبيرة من احتياطيي الاستخبارات بانتظار "الخطأ الذهبي" للخاطفين، وإذا لم يقدم الخاطفون على ارتكاب هذا الخطأ، فلا قدرة للاحتلال على تحقيق هذا الهدف أيضا.
من هنا، ورغم أن العملية لم تنته بعد، لكن الإعلام العبري بدأ يحاسب. الصحف العبرية الصادرة، الجمعة الماضية، وفي ملاحقها الأسبوعية، ركزت على هذه النقطة تحديدا. بل إن صحيفة إسرائيل اليوم، المقربة من رئيس الحكومة نتنياهو، والمفترض أنها تعمل على تحقيق أجندته السياسية، تساءلت هي أيضا عن القدرة على تحقيق الأهداف، وفي عنوان عريض لأحد أهم كتابها، دان مرغاليت: العملية بدأت تستنفد نفسها، وماذا بعد؟
من هنا، أيضا، يمكن القول إن إسرائيل، ورغم كل إجراءاتها القمعية والحصار الذي تقوم به ضد الفلسطينيين في الضفة، لم تحقق أهدافها، ولا يترقب لها أن تحقق هذه الأهداف. فلا الفلسطينيون غيروا وعيهم الجمعي، بأن فوائد عملية الخطف أعلى من أثمانها، ولا هي قادرة على اجتثاث حركة حماس، مهما كانت إجراءاتها التي لا يمكن لها أن تدوم طويلا، في نفس الوقت، يعود الحديث عن الإخفاقات والفشل حيال المخطوفين إلى الواجهة من جديد، بعد أيام من التركيز والإلهاء بالإجراءات القمعية في الضفة.
الأمل الإسرائيلي الآن يتركز على إقدام الفلسطينيين، أو الخاطفين تحديدا، على ارتكاب "الخطأ الذهبي" وتمكين الاستخبارات من تحديد هويتهم ومكانهم ومكان المخطوفين، وإذا واصل الخاطفون المحافظة على حرفيتهم ومهنيتهم في التنفيذ الابتدائي حتى ختام العملية، فسيكون الفشل الإسرائيلي مدوياً وتأثيراته غير مسبوقة.
تبدو إسرائيل خلال الأيام القليلة الماضية مشحونة إلى أقصى حدود الشحن، وكأنها تقود حربا عسكرية كبرى في وجه فيالق وألوية معادية في الضفة الغربية المحتلة، مصحوبة بحملة إعلامية واسعة النطاق، استطاعت حتى الآن أن تحرف أنظار الإسرائيليين عن المسعى الأساسي الذي يتطلعون إليه: إطلاق سراح المخطوفين.
ورغم كل الروايات و"البطولات" الميدانية في قمع الفلسطينيين والتنكيل بهم وحملة الاعتقالات الواسعة بحقهم، بما يشمل حصار مدنهم وبلداتهم، إلا انه يوجد في الميدان لاعب واحد، وهو الجيش الإسرائيلي، في مواجهة فلسطينيين عزل، مع تغطية سياسية وميدانية، للأسف، من قبل السلطة الفلسطينية، التي أعلنت بعد تردد تحيزها الواضح إلى جانب الاحتلال.
مع ذلك، الحملة الإسرائيلية جبت قليلا من الانجازات، التي تحاول من خلالها إخفاء الإخفاقات، وذلك في إطار سياسة تحويل التهديد إلى فرصة. هل ستنجح إسرائيل في مسعاها؟ سؤال لا يمكن الإجابة عنه سريعا وإن كانت معالم الإجابة شبه واضحة. المؤكد حتى الآن، أن الاحتلال اخفق إخفاقا كبيرا جدا في صد عملية خطف طالت مستوطنيه في "حديقته الخلفية"، الضفة الغربية، والتي تعد جزءا من "البيت الإسرائيلي الداخلي".
في إطار ذلك، لا بد من الإشارة إلى النقاط التالية:
أولا. بدا واضحا، ومنذ اليوم الأول لعملية الخطف، مستوى الإرباك الإسرائيلي في التعاطي مع العملية، التي بدت لتل أبيب مسبقا أنها مشغولة بطريقة حرفية يصعب معها التوصل إلى حل ميداني سريع، يمكنها من إطلاق سراح المخطوفين الثلاثة. تصريحات المصادر العسكرية والأمنية للاحتلال كانت واضحة ومباشرة، بأن عملية البحث والوصول إلى خواتيمها، ما زالت طويلة وغير منظورة، إلا في حال أقدم الخاطفون على ارتكاب خطأ تتطلع إليه الاستخبارات الإسرائيلية، ويجري تسميته بـ"الخطأ الذهبي"، وتحديدا ما يتعلق بخطأ تكنولوجي في مجال الاتصالات والسايبر.
كان على طاولة التقدير لدى المجلس الوزاري المصغر، بحضور نتنياهو وكبار مسؤولي أجهزته الأمنية، أسئلة تتجاوز الإخفاق الميداني والفشل المتوقع في صد عملية الخطف والمعالجة العملية على الأرض. هي أسئلة ترتبط بالصورة وبتداعيات الخطف في الضفة الغربية، وإظهار إسرائيل بصورة غير المقتدرة استخباريا وميدانيا، الأمر الذي يثقب الردع الإسرائيلي ثقبا يدفع الفلسطينيين إلى مزيد من عمليات الخطف.
كان واضحا ضرورة العمل لمنع هذه التداعيات، عبر جملة من الأساليب والطرق، وفي مقدمتها إفهام الفلسطينيين أن عملا كهذا لا يمر من دون دفع أثمان. طرح على طاولة البحث النتيجة المتوخاة، وهي جعل ثمن الخطف اكبر بكثير من فائدته من ناحية الفلسطينيين، وطلب من الأجهزة الأمنية تحقيق هذه النتيجة، لكن الطريقة الوحيدة كانت عبر التنكيل والحصار والاعتقالات، الأمر الذي تعتاده إسرائيل وتتفنن به جيدا.
أجاد جيش الاحتلال في تنفيذ المهمة بالتزامن مع حملة حرب نفسية واسعة رافقته. الاعتقالات كانت واسعة جدا، والحصار كان محكما، إلا أن الأيام الأخيرة شهدت تراجعا في فاعلية هذه الإجراءات التي وصلت إلى القمة وبدأت باجترار نفسها، ما انعكس سلبا على أصل فاعلية عمليات القمع في الوعي الفلسطيني الجمعي.
ثانيا. حاولت تل أبيب أن تستغل عملية الخطف لتحقيق جملة من الأهداف المرتبطة بصراعها مع الفلسطينيين، ضمن سياسة تحويل التهديد إلى فرصة. طرح على جدول البحث ثلاثة أهداف، وقادها رئيس الحكومة الصهيونية بنفسه إلى جانب وزرائه وقادة أجهزته الأمنية، وهي: إنهاء المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس؛ دفع الغرب إلى تبني رواية إسرائيل حول حكومة الوحدة؛ وإنهاء وجود حركة حماس ماديا في الضفة الغربية.
في هذا الإطار، حقق الاحتلال نجاحا جزئيا، رغم أن النجاح استند تحديدا على تجاوب رئيس السلطة، محمود عباس، وتبنيه لرواية الإسرائيليين حول عملية الخطف. بل وتبرير أفعاله العدائية بحق الفلسطينيين في الضفة، وأكثر من ذلك، الأوامر الصادرة عنه للأجهزة الأمنية الفلسطينية كي تساند الجيش الإسرائيلي في حملته القمعية في الضفة.
ثالثا. رغم كل المقاربة الإسرائيلية، وتجاوب السلطة معها، ورغم تفهم الغرب للإجراءات العقابية بحق الفلسطينيين، إلا أن عملية العقاب لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، وبالتالي محدودية تأثيرها في الوعي الفلسطيني. يوجد حد تدرك تل أبيب أنها لا يمكن أن تتجاوزه، في ظل الخط الأحمر الذي وضعته لنفسها، وعبر عنه أكثر من مسؤول إسرائيلي: الامتناع عن التسبب بانتفاضة ثالثة، أو الانجرار إلى حرب مع قطاع غزة، رغم الاستعداد الميداني لمواجهة الفرضيتين المرفوضتين.
يوجد في الضفة الغربية 700 ألف فلسطيني محاصر، بإمكانهم إمرار عمليات القمع والحصار أياما أخرى، خاصة مع تغطية السلطة لإجراءات الاحتلال، إلا أن هذه الحالة لا يمكن أن تستمر طويلا من دون ردود فعل، ليست بالضرورة ردود فعل عسكرية أو أمنية، لكنها من ناحية الاحتلال قد تكون ردود فعل أكثر خطورة من الفعل العسكري والأمني: انتفاضة ثالثة تعيد الاحتلال سنوات طويلة إلى الخلف. وهذا المحظور يضغط بشدة على الحملة الإسرائيلية للإسراع بها وعدم الذهاب بها بعيدا.
رابعا. يمكن القول، أيضا، إن الهدف الإسرائيلي من المعركة القائمة حاليا، والمتمثل بمنع تبلور تداعيات خاصة لعملية الخطف لدى الفلسطينيين، وإفهامهم أنها لم تمر بلا أثمان تفوق ما يتوقعونه من العملية نفسها، معركة خسرتها إسرائيل. لم يتشكل في الوعي الفلسطيني، كما هو مخطط من قبل تل أبيب، بأن عملية الخطف كانت فاشلة لأنها ألحقت أضرارا بهم أكثر مما يتوقعونه منها، وهو تحرير أسرى فلسطينيين. ورغم تركيز رئيس السلطة على هذه الناحية تحديدا، إلا أن الوعي الجمعي الفلسطيني رافض لهذه المقاربة.
يمكن لإسرائيل فقط، أن تغير في الوعي الفلسطيني، من خلال إجراءات عدائية أكثر قسوة وإجرامية مما تقوم به الآن، على أن تكون إجراءات ممتدة زمنيا، وهو أمر تمتنع عنه لأنه سبب كاف لدفع الفلسطينيين لتجاوز الخطوط الحمراء: انتفاضة ثالثة. من هنا، بدأ الإعلام العبري يسأل مسؤوليه في تل أبيب: "إلى أين"؟ وشددت التقارير الإعلامية وتحليلات الخبراء على السؤال الأكثر إلحاحية: ماذا تفعل إسرائيل في ظل اجترار مواقفها؟ وأين بات الهدف والمسعى الأساسيان بإطلاق سراح المخطوفين.
خامسا. والأهم، هو أن تل أبيب كررت خطأها عام 2006، عشية شنها الحرب على لبنان والمقاومة، أي وضع أهداف الحملة العسكرية والأمنية والسياسية اكبر وأوسع بكثير مما هي قادرة على تحقيقه، وبالتالي حكمت على الحملة منذ البداية بالفشل.
المستوطنون الثلاثة
الأمر يعيد نفسه حاليا، والخطأ نفسه. وضعت إسرائيل هدفا للعملية الحالية في الضفة الغربية من اتجاهين: اقتلاع حركة حماس وإعادة المخطوفين بلا قيد أو شرط. وحتى الآن لم تحقق إسرائيل الهدف الأول، بل لا يمكنها أن تحققه، وهو خارج القدرة العملية والواقعية. فيما الهدف الثاني، إعادة المخطوفين، الذي عملت على رده إلى الخلف على حساب الحملة العسكرية والقمعية نفسها، لا توجد أي إشارة على إمكانية تحقيقه، حتى الآن، بل يوجد نوع من القصور المعلن استخباريا وميدانيا، الذي دفع إلى تجنيد أعداد كبيرة من احتياطيي الاستخبارات بانتظار "الخطأ الذهبي" للخاطفين، وإذا لم يقدم الخاطفون على ارتكاب هذا الخطأ، فلا قدرة للاحتلال على تحقيق هذا الهدف أيضا.
من هنا، ورغم أن العملية لم تنته بعد، لكن الإعلام العبري بدأ يحاسب. الصحف العبرية الصادرة، الجمعة الماضية، وفي ملاحقها الأسبوعية، ركزت على هذه النقطة تحديدا. بل إن صحيفة إسرائيل اليوم، المقربة من رئيس الحكومة نتنياهو، والمفترض أنها تعمل على تحقيق أجندته السياسية، تساءلت هي أيضا عن القدرة على تحقيق الأهداف، وفي عنوان عريض لأحد أهم كتابها، دان مرغاليت: العملية بدأت تستنفد نفسها، وماذا بعد؟
من هنا، أيضا، يمكن القول إن إسرائيل، ورغم كل إجراءاتها القمعية والحصار الذي تقوم به ضد الفلسطينيين في الضفة، لم تحقق أهدافها، ولا يترقب لها أن تحقق هذه الأهداف. فلا الفلسطينيون غيروا وعيهم الجمعي، بأن فوائد عملية الخطف أعلى من أثمانها، ولا هي قادرة على اجتثاث حركة حماس، مهما كانت إجراءاتها التي لا يمكن لها أن تدوم طويلا، في نفس الوقت، يعود الحديث عن الإخفاقات والفشل حيال المخطوفين إلى الواجهة من جديد، بعد أيام من التركيز والإلهاء بالإجراءات القمعية في الضفة.
الأمل الإسرائيلي الآن يتركز على إقدام الفلسطينيين، أو الخاطفين تحديدا، على ارتكاب "الخطأ الذهبي" وتمكين الاستخبارات من تحديد هويتهم ومكانهم ومكان المخطوفين، وإذا واصل الخاطفون المحافظة على حرفيتهم ومهنيتهم في التنفيذ الابتدائي حتى ختام العملية، فسيكون الفشل الإسرائيلي مدوياً وتأثيراته غير مسبوقة.