ارشيف من :آراء وتحليلات

معركة غزة بانتظار المخارج بعد صمود الفلسطينيين

معركة غزة بانتظار المخارج بعد صمود الفلسطينيين
لم يعد في جعبة اسرائيل، بعد ان اوشك الاسبوع الاول من اعتداءاتها العسكرية على الانتهاء، الا هدف واحد ووحيد في وجه الفلسطينيين: وقف اطلاق النار بلا تفاهمات، او مع تفاهمات، تنص على الهدوء مقابل الهدوء. لا تهدف تل ابيب الى تغيير قواعد لعبة تعمل لصالحها، لكنها تهدف الى الابقاء على ما قامت به في الضفة من اجراءات عقابية وسجن المئات من الفلسطينيين، والابقاء على حالة الحصار على قطاع غزة، كما هي عليه.

تدرك تل ابيب جيدا ان اي مطالب اخرى غير قابلة للتحقق، وبالتالي تدرك مسبقا ان اهدافا معلنة كإنهاء المقاومة واجتثاثها، سيعني التسبب بصورة الانكسار الاسرائيلية في اللحظة التي يعلن فيها عن وقف لاطلاق النار، وهذا ما يحاول الاحتلال ان يتجنبه.
لجهة فصائل المقاومة في القطاع، وتحديدا حركتي حماس والجهاد الاسلامي، المعركة الان تتعلق بصد الهجمتين، العسكرية والسياسية. واذا كانت اسرائيل تقود الحملة العسكرية التي دخلت يومها السابع، المرشحة للاستمرار ايضا للايام المقبلة، الا ان المعركة السياسية ضد القطاع يتشارك فيها الجميع، بدءا من العرب، عرب الاعتدال، وصولا الى الولايات المتحدة والعواصم الغربية على اختلافها.

وكما هي حال كل المواجهات العسكرية السابقة، تفعل تل ابيب خيارها العسكري، ولا يقف هذا الخيار الا بعد ان تضمن انها حققت في الميدان العسكري ما من شأنه ان يكسر ارادة المقاومين ويجبي منهم اثمانا سياسية بما يعرف بالتفاهمات. هذا من جهة. من جهة ثانية، تعمل تل ابيب على ايقاف خيارها العسكري، ايضا، بعد ان تتأكد من انه لم يعد يجدي نفعا وانه لم يوصل الفلسطينيين الى الانكسار.

إستجداء اسرائيلي

في كلا الحالتين، يتدخل الخارج، وفي العادة المتبعة، يتدخل الاميركيون بمساعدة من المصريين، كي يتوقف القتال. اما شكل التفاهم ومضمونه، فمرتبط بما حققه الاحتلال في حملته العسكرية لدى الجانب الفلسطيني: مع انكسارهم، يكون التفاهم كاملا كما تريده تل ابيب، بما يشبه املاء الشروط الاسرائيلية وتسويقها بالوساطة الاميركية والمصرية كي يرضخ لها الفلسطينيون. لكن مع عدم انكسار الفلسطينيين وصمودهم، فان الوساطة تتدخل كي تنقذ تل ابيب من مأزقها، مع تحصيل ما امكن من انجازات يمكن تسويقها لدى الرأي العام الاسرائيلي. اما ان تتواصل الحملة العسكرية بلا اهداف محققة، الامر الذي يتيح للفلسطينيين ايضا، فرض شروطهم، فيما يتحول عمل الوساطة من مقاولة لاملاء شروط اسرائيل، الى استجداء تفاهم تسووي.

معركة غزة بانتظار المخارج بعد صمود الفلسطينيين
تخبط في كيان العدو نتيجة ضربات المقاومة

وكما يتضح من المواقف والتصريحات بل وحتى الاجراءات الميدانية الاسرائيلية، وصلت تل ابيب الى حد انهاء خيارها العسكري، ولم يبق امامها سوى الخيار العسكري البري، الذي تخشاه، رغم تهديدها المتواصل به. الدخول البري سيزيد من مأزق تل ابيب، خاصة ان التقديرات تشير الى خسائر كبيرة ستلحق بالاحتلال جراء هذا الخيار، الذي يعد متهورا، نظرا للاستعدادات الفلسطينية في مواجهته.

هزيمة مدوية

على ذلك، فان المعادلة الميدانية القائمة حاليا، رغم كل الصعاب والالام الفلسطينية، وصلت الى حد التعادل قياسا بالامكانات، وعلى اسرائيل ان تختار بين السيئ والسيئ، بين الرضوخ للمطالب الفلسطينية، او تجربة الخيار البري، الذي يمكن ان يقود الى كارثة، قد تتيح لاحقا، على مستوى المعالجة السياسية، خسارة بالنقاط اكثر بكثير من ناحية تل ابيب.

بعض التحليلات الاسرائيلية كانت واضحة جدا، وإن بعبارات مختارة جيدا: انهت اسرائيل ما يمكنها فعله عسكريا، لكن بلا نتائج يمكن تثميرها لفرض تفاهم سياسي ما. صمود الفلسطينيين كان مذهلا رغم كل الضغوطات السياسية المفعلة في وجههم. في المقابل، صمد الفلسطينيون امام الهجمة الابتدائية والعملية العسكرية الجوية، رغم الالام التي لحقت بهم، وتمسكوا بشروطهم، الامر الذي يضع الاحتلال امام مأزق استكمال العمل البري على علاته المرفوضة من قبل جيش الاحتلال اولا قبل المستوى السياسي، او الرضوخ للمطالب الفلسطينية والبحث عما يمكن اجراء تسوية حوله.

كان لاسرائيل محاولة اجرتها، بغير نجاعة، ضد الفلسطينيين، وهي ايهامهم بأن العملية البرية والاجتياح البري قادمان، وسوف يعملان على انهاء المقاومة في القطاع، بما يشمل دخول المدن والبلدات الفلسطينية، اي ضربة برية قاصمة شبيهة بعملية السور الواقي عام 2002 في الضفة الغربية. لكن مع الصمود الفلسطيني امام هذا التهويل، تكشّف لاحقا ان كل التهديد ليس الا محاولة تخويف، اكثر منها حقيقة واقعة ومقدرة. يبقى امام تل ابيب الان، اعادة تصويب ما انكسر في الوعي الفلسطيني، من انها تخشى العملية البرية، وذلك ربما عبر دخول محدود ومدروس جيدا من هنا وهناك على الحدود في القطاع، مع تظاهرة اعلامية تشير الى ان العملية البرية بدأت. قد تكون هذه هي اخر ما يمكن لتل ابيب أن تقوم به، قبل ان تعمل على تزخيم الوساطات، التي تنتظر كلمة السر الاسرائيلية لتبدأ بالعمل.

صمود فلسطيني

من جهة الفلسطينيين لا يوجد خيار اخر. الصمود ثم الصمود ثم الصمود، وصولا لتحقيق الاهداف، والتي يقف في مقدمتها فك الحصار عن قطاع غزة. وأي تراجع في هذا المطلب او التخلي عنه، يعني انكسارا لن تكون نتائجه مقتصرة على المرحلة الحالية، بل سيكون انكسارا استراتيجيا مع نتائج ممتدة طويلا، ومن شأنه ان يؤسس لانكسارات اخرى، سواء بوجه اسرائيل او بوجه الاعداء الاكثر قربا، عرب الاعتدال والاعتدال الفلسطيني المقابل.
وكما يتبين، دخل الوسطاء ساحة المعركة السياسية. الاميركيون والقطريون والاتراك والمصريون والالمان والفرنسيون والامم المتحدة وغيرهم.. الكل يسارع الى الوساطة. وهذا دليل على ان كلمة السر الاسرائيلية قد ارسلت والتقطها جميع اعداء المقاومة في فلسطين. التفاهم المقبل، ان بقي الصمود الفلسطيني على حاله، سيجبي اثمانا من الاحتلال، في مقدمتها فك الحصار عن القطاع بصورة او بأخرى، وبذلك لن تكون دماء الفلسطينيين قد ذهبت هدرا وبلا فائدة.
2014-07-14