ارشيف من :آراء وتحليلات
من يقاضي قادة العدو على جرائمهم في عدوان غزة؟!
اذا كان القانون الدولي الانساني ابان عدوان تموز 2006 حبراً على ورق، حبراً داسته اقدام العدوان وعيون الشرعية الدولية جاحظة عاجزة، كما فعلت مراراً في دير ياسين وصبرا وشاتيلا وقانا وجنين، فهل يصحو ضمير الانسانية على وقع العدوان المتكرر على غزة، فيخرج من ينادي بمقاضاة قادة العدو على جرائمهم؟ هل يجرؤ مدعي عام الجنائية الدولية مورينو اوكامبو على استدعاء رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو كما فعل مع الرئيس السوداني عمر البشير؟ وهل تجرؤ المحاكم الاوروبية والغربية ذات الولاية العالمية على تفعيل نصوص قوانينها بوجه جنرالات وقادة العدو، ام ان هذه القوانين وضعت للبشر وليس لـ"ـشعب الله المختار"؟!.
العدوان الصهيوني وجرائم الحرب في غزة
جرائم العدو في غزة
ارتكب قادة العدو في عدوانهم الاخير على غزة كما في الاعتداءات السابقة جرائم حرب خطيرة يعاقب عليها القانون الدولي الإنساني وجميع المواثيق والاتفاقيات الدولية، وبرزت تلك الجرائم بأوجه متعددة :
*قصف اهداف مدنية (قتل المئات واصابة الالاف بينهم اطفال ونساء ومسنون)، ما يشكل انتهاكاً لاتفاقيات جنيف(البروتوكول الاضافي الاول الصادر عام 1977 ) الذي يحض على تأمين وحماية السكان المدنيين والاعيان المدنية.
*الافراط باستعمال القوة بهدف تدمير غزة، دون اية ضرورة عسكرية. ومبدأ الضرورة العسكرية ركن اساسي من اركان القانون الدولي الانساني.
*تدمير البنى التحتية والممتلكات الخاصة رغم ان قانون الحرب يحظر قصف المدن والمساكن والمباني غير المحمية، كما يفرض اتخاذ التدابير اللازمة لتفادي الهجوم على المباني المخصصة للعبادة والعلوم والاعمال الخيرية والمستشفيات ومحطات المياه والطاقة...
*تهجير ممنهج وقسري للمدنيين، رغم ان القوانين الدولية تحظر الهجمات العشوائية، او ان يكون المدنيون محلا للهجوم، كما تحظر اعمال العنف او التهديد به بهدف بث الذعر بين المدنيين.
*الافراط في استخدام الاسلحة الممنوعة منتهكة القانون الدولي.
مقاضاة قادة العدو على جرائمهم
*قصف اهداف مدنية (قتل المئات واصابة الالاف بينهم اطفال ونساء ومسنون)، ما يشكل انتهاكاً لاتفاقيات جنيف(البروتوكول الاضافي الاول الصادر عام 1977 ) الذي يحض على تأمين وحماية السكان المدنيين والاعيان المدنية.
*الافراط باستعمال القوة بهدف تدمير غزة، دون اية ضرورة عسكرية. ومبدأ الضرورة العسكرية ركن اساسي من اركان القانون الدولي الانساني.
*تدمير البنى التحتية والممتلكات الخاصة رغم ان قانون الحرب يحظر قصف المدن والمساكن والمباني غير المحمية، كما يفرض اتخاذ التدابير اللازمة لتفادي الهجوم على المباني المخصصة للعبادة والعلوم والاعمال الخيرية والمستشفيات ومحطات المياه والطاقة...
*تهجير ممنهج وقسري للمدنيين، رغم ان القوانين الدولية تحظر الهجمات العشوائية، او ان يكون المدنيون محلا للهجوم، كما تحظر اعمال العنف او التهديد به بهدف بث الذعر بين المدنيين.
*الافراط في استخدام الاسلحة الممنوعة منتهكة القانون الدولي.
مقاضاة قادة العدو على جرائمهم
حددت اتفاقيات جنيف الاربع لعام 1949، مضمون قاعدة الاختصاص العالمي وطالبت الدول الأطراف فيها بالالتزام بها وادخالها في صلب قوانينها الجنائية الوطنية، وتجريم الانتهاكات الجسيمة الواردة في هذه الاتفاقيات (جرائم الحرب أو جرائم ضد الإنسانية أو الإبادة..) وفرض العقوبات المناسبة لها. ورغم ذلك فإن عدداً قليلاً من هذه الدول قام بتنفيذ هذا الالتزام ووضعه موضع التطبيق ضمن قوانينها الجنائية الوطنية، كبلجيكا، واسبانياً، وألمانيا، وكندا، وبريطانيا.
هذا نظرياً، اما عملياً، فان تجربة المحاكم الاوروبية التي خطت ولايتها العالمية تطبيقاً لاتفاقيات جنيف 1949، لم تكن مشجعة على الاطلاق، فالاعتبارات السياسية أضرت بمبدأ الاختصاص العالمي، وكرست مبدأ الإفلات من العقاب بدل محاربته، التي كانت السبب الرئيسي وراء اقرار تلك الصلاحية.
وامام وقوف مجلس الامن الدولي موقف المتفرج حيال العدوان على غزة، وازاء عدم صلاحية المحكمة الجنائية الدولية لاعتبارات عدة ابرزها عدم توقيع اميركا والكيان الصهيوني على وثيقة انشائها، ولوظيفتها التكميلية التي تنعقد بغياب المحاكم الوطنية وقصورها عن التحقيق أو الادعاء في قضايا جرائم الحرب، قد يتطلع البعض الى بارقة امل في رفع دعاوى امام المحاكم ذات الولاية العالمية في الدول الغربية. لكن مسار التجارب السابقة يستخلص منه بوضوح استنسابية تلك المحاكم وتهربها من تفعيل نصوص ولايتها العالمية. والدليل ان المحاكم البلجيكية، بتت دعاوى مرفوعة ضد الرئيس التشادي حسين
قانون الاختصاص العالمي يجعل المحاكم البلجيكية مختصة بملاحقة مرتكبي جرائم
الإبادة الجماعية، جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية بغض النظر عن
جنسيتهم أو جنسية الضحايا أو مكان ارتكاب الجريمة |
هبري (عام 2002 ) بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وخاصة التعذيب، واصدرت مذكرة اعتقال بحقه، كما بتت دعاوى بحق شخصيات سياسية من المغرب، رواندا، الكونغو، كوبا، كوت ديفوار وغيرها. لكن حينما وصل "الموس" الى رقبة قادة العدو في الدعوى التي رفعت عام 2001 ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون بتهمة ارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا، أثيرت زوبعة إسرائيلية عشواء على بلجيكا رضخت لها الاخيرة في نهاية الامر، واعتبرت الدعوى المرفوعة ضد شارون غير مقبولة معللة ذلك بأن المتهم غير موجود على الأراضي البلجيكية.
التجربة ذاتها تكررت بعد عامين وتحديداً منتصف اذار 2003 مع رفع اسر عراقية متضررة من جرائم حرب الخليج الاولى 1991 دعويين امام المحاكم البلجيكية بمقتضى قانون الاختصاص العالمي ضد مسؤولين أمريكيين، بينهم الرئيس الامريكي جورج بوش الأب، ونائبه ديك تشيني ووزير خارجيته كولن باول، لكن لم يمر شهر حتى عدل البرلمان البلجيكي قانون الاختصاص العالمي، في 23 نيسان/أبريل 2003 اي بعد عشر سنوات على اقراره، وبمقتضى التعديل اصبح بامكان الحكومة البلجيكية تحويل الدعوى لأي بلد آخر إذا لم تكن للجريمة صلة ببلجيكا. وهو ما حصل فعلاً في 14 ايار/مايو في الدعوى المرفوعة من 19 مواطن عراقي وأردني (قضية فندق فلسطين) ضد الجنرال فرانك قائد القوات الأمريكية في العراق، حيث لم تتردد الحكومة البلجيكية في تحويل الدعوى للقضاء الاميركي.
نموذج آخر مماثل، شهدته المحاكم البريطانية التي اصدرت عام 2010، مذكرة قضائية قضت بإحالة تسيبي ليفي وزيرة خارجية الاحتلال السابقة وزعيمة حزب "الليكود"، إلى القضاء البريطاني لمحاكمتها عن جرائم حرب ارتكبت أثناء العدوان الصهيوني على قطاع غزة ما بين 27/12/2008 و18/1/2009 واعتبرت ليفني مسؤولة عنها بصورة مباشرة، ما أثار العديد من المشكلات السياسية والقضايا القانونية بين البلدين المعنيين بها (بريطانيا وإسرائيل) وصلت أدناها حد المطالبة بالغاء الدعوى، وأقصاها الى المناداة بتعديل القوانين البريطانية الجنائية لإفراغها من قاعدة الاختصاص القضائي العالمي، كما بلغت ذروة تداعياتها إلى حد الغاء زيارة وفد إسرائيلي من العسكريين رفيعي الرتب إلى لندن خشية تعرضهم لملاحقة قضائية مماثلة..!
نموذج آخر مماثل، شهدته المحاكم البريطانية التي اصدرت عام 2010، مذكرة قضائية قضت بإحالة تسيبي ليفي وزيرة خارجية الاحتلال السابقة وزعيمة حزب "الليكود"، إلى القضاء البريطاني لمحاكمتها عن جرائم حرب ارتكبت أثناء العدوان الصهيوني على قطاع غزة ما بين 27/12/2008 و18/1/2009 واعتبرت ليفني مسؤولة عنها بصورة مباشرة، ما أثار العديد من المشكلات السياسية والقضايا القانونية بين البلدين المعنيين بها (بريطانيا وإسرائيل) وصلت أدناها حد المطالبة بالغاء الدعوى، وأقصاها الى المناداة بتعديل القوانين البريطانية الجنائية لإفراغها من قاعدة الاختصاص القضائي العالمي، كما بلغت ذروة تداعياتها إلى حد الغاء زيارة وفد إسرائيلي من العسكريين رفيعي الرتب إلى لندن خشية تعرضهم لملاحقة قضائية مماثلة..!
*ما الجدوى الفعلية من محاكمة قادة العدو اذاً؟
وهكذا نرى أن الاعتبارات السياسية قد أضرت بمبدأ الاختصاص العالمي ما شكل تراجعا مهما في المكافحة الدولية لإفلات الكبار من العقاب، وهو ما اثبت مجدداً ان المجتمع الدولي غير آبه باحقاق العدالة الدولية، وان عدالته تبقى انتقائية، فوقية، مصلحية رهن عواصم القرار الكبرى. لكن يبقى السؤال ما الفائدة المرجوة اذاً من رفع مثل تلك الدعاوى؟!.
جريمة الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، تعتبر اولى المحاكمات في بلجيكا على أساس مبدأ الاختصاص العالمي |
قد لا يؤمل ان تنتفض العدالة الدولية لنفسها، وان تحق الحق وتنزل العقاب بحق قادة العدو مرتكبي المجازر ضد المدنيين الابرياء في غزة وفي لبنان، لكن تبقى تلك الاداة، وسيلة اعلامية اعلانية اكثر منها قضائية فعالة، تهدف بالدرجة الاولى الى احراج قادة الكيان الصهيوني أمام الرأي العام العالمي بشكل كبير وإظهارهم بمظهر المجرمين القتلة الذين يتوجب ملاحقتهم ومحاكمتهم ومعاقبتهم في أرجاء المعمورة وعدم توفير ملاذ آمنا لهم.. ومن شأن التضييق عليهم بمحاصرتهم اعلامياً وقانونياً وقضائياً، ومنعهم من السفر إلى هذه الدول ان يشكل عقوبة سياسية ومعنوية لهم وهي الحد الأدنى المرتجى من قاعدة الاختصاص القضائي العالمي بعدما افرغت من جدواها "العدالتي". كما ان من شأن تحريك الدعاوى الدولية بحق هؤلاء المجرمين ان يؤدي بالنتجة إلى تشجيع الدول الأخرى للأخذ بهذه القاعدة القانونية وتفعيلها في قوانينها الوطنية ما يدعم مبدأ الافلات من العقاب على المستوى العالمي..