ارشيف من :نقاط على الحروف
بين الشهيد والقتيل تضيع الانتصارات: ’غزة’ و’المستقبل’ نموذجاً
في الحرب الناعمة تتحول المفاهيم والقيم لتصب في مصلحة المعتدي فكرياً، بينما يغرق المُعتدىَ عليه بدمه او بفشله او بالسقوط أمام الهجوم.
ويخيل للبعض أن الحرب العسكرية او الصلبة هي أقسى الحروب وهو ما يخالف الواقع، فالحرب العسكرية تنتهي مع وقف إطلاق النار ولململة آثار المعركة وربما خلال فترة زمنية قصيرة تعاود الحياة دورتها الطبيعية.
أما في حرب القيم او الحرب الناعمة فإن نطاقها الزمني لا ينتهي، فالأهداف تكون عادة مجدولة زمنياً ومع إنجاز أحداها يتم الانتقال تلقائياً إلى التالي.. في مسار للوصول إلى الهدف الأخير على اللائحة، ثم يبدأ العمل للحفاظ على هذه المنجزات بتثبتها في الذاكرة والوعي .. لأنها في حال لم تنتقل إلى جيل جديد ويبنى عليها فإمكانية الرجعة عنها موجودة. ولتوضيح الصورة، يأتي الحديث عن استبدال القيم. الشهادة مثلا تصبح موتاً عادياً، ثمرة الشهادة هو الشهيد بينما في الموت هنا ميت أو في القتل هنا قتيل. والاختلاف يبدأ من التعريف.
عنوان صحيفة "المستقبل" عن شهداء غزة يوم الأحد 27 تموز 2014
الشهيد هو إنسانٌ يملك عقيدة ويعمل من أجل تحقيق غاية سامية ومستعداً للتضحية بدمه وروحه من أجلها. بمعنى آخر كما يقول سيد شهداء المقاومة الإسلامية: " انا لا يمكنني ان أضحي لقضية هي أقل من مستواي ولكنني ابذل مالي ونفسي وولدي لقضية هي أعلى من مستواي" ـ بالمناسبة الحديث هنا كان عن القضية الفلسطينية ـ بالتالي هناك ثقافة وقيمة وراء الشهادة. بينما في الموت والقتل يقع الأول على المرء من دون إرادته، فالأول هو سنة الله في الخلق: " كل من عليها فان"ـ أما الثاني فقد يقع عن طريق الخطأ أو عن طريق العمد فيكون المقتول بحسب التعبير القرآني:" .. قتل مظلوماً".
بعد هذا الشرح نأتي إلى القضية المركزية للأمة الا وهي فلسطين، في الأصل الشعب الفلسطيني مسالم يعيش على أرض تحول كله مقاومة مقابل صهاينة محتلين غزاة كلهم جنود في الجيش الاسرائيلي، بالمحصلة سواء خرج الفلسطيني مواجهاً الصهاينة أو صمد في منزله فكلا الحالتين هو مجاهد، وبالتالي إن وقع عليه الموت في الأول فهو شهيد المعركة وفي الثاني فهو شهيد الدفاع عن أرضه وعرضه وماله وهو بحسب الحديث النبوي: "..فهو شهيد".
لماذا تصر صحيفة "المستقبل" على مخالفة القرآن والسنة النبوية في قضية فلسطين وتجعل عنوانها: "غزة تنتشل قتلاها من تحت الأنقاض.. كأنه زلزال".. ولا يهم ما سيأتي في متن الموضوع، الناس لا تقرأ ـ وهذه القاعدة معروفة ـ الا العناوين في عصر السرعة.
لاحظوا معي إن من استشهد في غزة هو "قتيل" يعني إما بصعقة كهربائية أو عن طريق الخطأ وهنا تبرير للقاتل على أقل تعديل، فكيف إذا كان القاتل محتلاً معتدياً غاصباً وهو في الأصل قاتل الأنبياء وعدو البشرية.
ونتابع تحليل العنوان: "قتلاها.." وحصر القتلى بغزة ينفي عنهم الهوية الفلسطينية أولا وهي الأقرب، وتالياً العربية وهي القومية وبدرجة أعلى الإسلامية وهي الانتماء إلى أمة المليار ونصف.
ولتزيد التعمية.. تضيف في العنوان: " من تحت الإنقاض.." وهذا القديم ليتلاءم مع الخاتمة التي تاتي لتغطية القتل العمد :"..كأنه زلزال".
أكتمل العنوان: " قتيل من مكان محدد موجود تحت الأنقاض.. النتيجة زلزال".
لا معركة يا سادة تخاض دفاعاً عن الكرامة ولا عن العرض ولا عن الحق بالحياة.
المفروض أن هذه الصحيفة هي لتيار عروبي، أين انتماء أهل غزة أذا، وأي قيمة لدمهم المسفوك من أجل أقدس بقع الأرض والتي وصفها الله تعالى بالأرض: "..التي باركنا حوله".. وأرض الإسراء والمعراج.
قد يعتقد البعض أن القضية وعلى حد قول يعقوب "الفار" من خدمة الانتداب الفرنسي لسورية في مسلسل "بيت جدي" عندما تواجهه مشكلات لا يعتد بها فيقول بلكنته الإدلبية المحببة: "صغيرة".
كلا يا سادة ليست صغيرة.. من وراء وضع العنوان شخص محترفاً فلا يمكن لصحيفة ان تعطي محرر يدرج أول خطواته لكتابة العناوين، إن اعتاد الجمهور على هكذا مصطلحات تضيع القيم والمفاهيم ويصبح المقاومون كما في تاريخنا المزور قطاع طرق ومجرمون.
غزة هي رمز فلسطين، وفلسطين هي أرض عربية ولا يحتاج الأمر إلى دليل. وما يحصل في غزة كالشمس المشرقة عداون صهيوني وإبادة لشعب فلسطين يراد له كما فعل اميركيون بالهنود الحمر، القضاء على ما أمكن، وتدجين من بقي وإيجاد "عرب اسرائيل".
لا يوجد "عرب" إسرائيليون، نعم هناك متأسرلون وهؤلاء لم يعودوا عرباً.
الموضوع خطير و"المستقبل" نموذج.. وأداة.