ارشيف من :آراء وتحليلات

قانا غيّرت حياتي!

قانا غيّرت حياتي!
لم أدرس الطب. فأنا أرتعد خوفاً أمام المشاهد الدموية. حاولت قدر المستطاع أن أبتعد عن كل ما بالإمكان أن يعرّضني لمشاهد العنف والاحتكاك بجسم يتألّم. لم أبتعد كثيراً!

في العام 2006، بعد حرب تموز، تقدّمت بطلب لامتحان الدخول إلى كلية الإعلام. إلا أن الامتحان تأجّل بفعل حرب تموز.
منذ اليوم الأول، باتت تلك الحرب هاجسي. ساعات أغرق بين أعداد الصحف وأوقات لا يمكن إحصاؤها أمضيتها مسمّرة يجفّ حلقي في كلّ مرة أمام وحشية الإسرائيليين ترطّبه فقط خطابات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.

الأيام الـ 33، أمضيتها بالاطمئنان على أصدقائي وعائلاتهم محاولة تقديم ولو القليل في عرض أي من منازل العائلة في الشمال، الذي كان آمناً إلا من بعض الغارات.

لم أكن أعرف حينها أي مقاوم، إلا أني في كلّ مرة كنت أشاهد المقاطع المصوّرة لوصايا الشهداء، التي كانت تبثّها قناة "المنار"، كان يعتريني شعورٌ غريب، كثيرٌ من الفخر مع بعضٍ من ألم وكثيرٍ من أمل.

قانا غيّرت حياتي!
من مجزرة قانا تموز 2006

في 30 تموز 2006، كانت المرة الأولى التي لا أغمض فيها عيني لدى مشاهدتي التلفاز، يومها كانت مشاهد أطفال قانا توجع روحي من دون أن أذرف دمعة. تسمّرت أمام الشاشة وبدأت أستعيد صور 18 نيسان 1996، حينها كنت بعمر التاسعة، وكان والدي، وهو محقق في الشرطة العسكرية، يخدم في الجنوب. لم تكن الاتصالات بسهولة اليوم كما أن الأخبار لم تكن تتناقل بسرعة اليوم. وكان عليّ، يومياً، أن أنظر إلى جهاز التلفاز الصغير في غرفتي لأبحث بين صور الشهداء، بالأسود والأبيض، عن جثة والدي، ولم أجدها يوماً. لكن بالي لم يكن يهدأ حتى تقوم المراسلة بتعداد أسماء الشهداء فأطمئن وأتدثر في سريري وأصلّي لوالدي كي يعود سالماً.

في العام 2006، لم أكتشف فقط عقدة نفسية قد حُلّت مع حادث تعرّضت له ومشاهد سوريا التي تخطّى عنفها كل وحشية العدو الإسرائيلي. بل حينها اتخذت قراري بأني لا أريد لأطفالي أن يقلقوا أو يخافوا وأن السبيل الوحيد لضمان مستقبلهم ومستقبل وطنهم هو المقاومة. في العام 2006، اتخذت قرارات عدّة غيّرت حياتي منها اختياري الصحافة الملتزمة قضية المقاومة. في العام 2006، قانا غيّرت حياتي وجعلت لها قضية حيكت بذهب المقاومة وبتضحيات شهداء أرض تذرف وتبذل قرابين وحباً لا ينضب في عشق هذه الأرض.
2014-08-01