ارشيف من :آراء وتحليلات

العقوبات الاقتصادية ضد روسيا سيف ذو حدين

العقوبات الاقتصادية ضد روسيا
سيف ذو حدين

ان العقوبات المتزايدة التي فرضها الاتحاد الاوروبي على روسيا، تجاوبا مع الموقف الاميركي المتعنت، سوف تتسبب بخسائر اقتصادية لاوروبا تبلغ قيمتها 40 مليار يورو سنة 2014 و50 مليارا سنة 2015. وهو ما يوازي الخسائر التي سيتكبدها الاقتصاد الروسي. وقد اجرت هذه الاحصاءات النشرة الالكترونية EUobserver، بالاستناد الى مرجع في الاتحاد الاوروبي. وستكون خسائر الاتحاد الاوروبي اكبر من ذلك، اذا اتخذت موسكو اجراءات مضادة. وكان سفراء الدول الاعضاء في الاتحاد قد وافقوا على عقوبات اضافية تشمل 4 رجال اعمال روس و4 مؤسسات روسية، بينها احد البنوك.

مخاوف قطاع الاعمال الاوروبي

وفي اوساط رجال الاعمال في اوروبا يزداد القلق حيال فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا. وقد حذرت الشركة النفطية البريطانية العملاقة British Petroleum، وكذلك لوبي قطاع الاعمال الالماني، من "التأثيرات الضارة" للعقوبات. ويقول المرجع الذي استندت اليه نشرة EUobserver ان روسيا سوف ترد على الضربة باتخاذ اجراءات منع تجارية ضد الدول المشاركة في العقوبات. وتفيد المعطيات ان القلق يشتد في بلدان جنوب اوروبا، ولا سيما في ايطاليا، حيث النمو الاقتصادي هو متواضع ويوجد خطر من عودة الركود بسبب العقوبات ضد روسيا. وطلب الممثلون الدائمون لتلك الدول في بروكسل من هيئات الاتحاد ان تأخذ في الاعتبار، لدى فرض العقوبات، اوضاع الدين العام والعجز في دولهم. وعبر لوبي قطاع الاعمال في المانيا عن القلق من ان العقوبات تهدد 350 الف فرصة عمل في المانيا، هي مرتبطة مباشرة بعلاقات التبادل التجاري الالماني ـ الروسي الذي يبلغ 80 مليار يورو سنويا. وكتبت احدى الصحف البلجيكية ان منتجي الفاكهة البلجيكيين يتخوفون من ان العقوبات ضد روسيا سوف يكون لها تأثيرات مدمرة عليهم. وتؤكد الجريدة ان روسيا هي مستورد رئيسي للفاكهة من بلجيكا. ويقول دافيد بامبا، رئيس شركة الفواكه البلجيكية "اننا نصدر الى روسيا 60 ـ 70% من انتاجنا للاجاص. فاذا اغلقت روسيا حدودها بوجه فاكهتنا، فإن خسائرنا ستكون بالغة جدا". وفي الوقت ذاته تحذر الشركة العملاقة British Petroleum (BP) من أن العقوبات ضد روسيا سيكون لها "اثار ضارة بالغة" على الدول الغربية ذاتها التي تفرض العقوبات. وتمتلك (BP) 19،75% من اسهم شركة "روسنفط" وهي اكبر شركة نفط في روسيا.

العقوبات الاقتصادية ضد روسيا
سيف ذو حدين
العقوبات على روسيا

وسيؤدي تشديد العقوبات على روسيا بالدرجة الاولى الى ضرب المصالح المالية لبريطانيا. هذا ما كتبته الجريدة البريطانية "دايلي تلغراف" في مقال مخصص لتحليل عواقب الاجراءات المتخذة ضد موسكو. ولاحظت الجريدة ان صفقة تزويد روسيا بحاملات الهيليكوبترات من طراز ميسترال الفرنسية لن تتوقف، وان المؤسسات البريطانية سوف تتلقى الضربات الاكبر من اي طرف اخر. وتضيف الجريدة البريطانية "ان واشنطن تضغط على الاتحاد الاوروبي لاتخاذ نهج اكثر تشددا في العلاقات مع موسكو. ولكن حجم تجارة الاميركيين مع روسيا هو ضئيل، وهم غير مرتبطين بمصادر الطاقة الروسية كما هم الالمان مرتبطون". وحسب تقديرات عدد من الصحفيين الاوروبيين فإن اوروبا عليها ان تحدد اهدافها، وفي الوقت ذاته ان تتجنب القيام بخطوات من شأنها ان تؤدي الى حرب باردة جديدة.

من يخسر اكثر من منع تصدير السلاح الى روسيا؟

بعد اسقاط طائرة البوينغ الماليزية، التي قتل فيها 298 شخصا، وتبني الاتحاد الاوروبي لوجهة النظر الاوكرانية الرسمية والاميركية، بالاتهام المسبق للثوار الاوكرانيين الموالين لروسيا ولروسيا ذاتها بارتكاب الجريمة، قررت بروكسل فرض عقوبات جديدة ضد روسيا. ويتضمن احد الاجراءات التي اتخذتها اللجنة الاوروبية، فرض الحظر على تصدير الاسلحة الى روسيا. ان الحديث عن هذا الحظر يبدو ذا وقع كبير، ولكن نتيجته الفعلية هي محدودة جدا. فالواقع انه باستثناء فرنسا، فان عددا قليلا من البلدان الاعضاء في الاتحاد الاوروبي يقوم بتصدير السلاح الى روسيا، ونسبته من مجمل التبادل التجاري بين روسيا والاتحاد الاوروبي هي ضئيلة للغاية. ومع ذلك فإن هذا الاجراء سيتسبب بالخسائر للبلدان الاوروبية المنتجة للتكنولوجيا العسكرية. ولذلك فإن الدول التي يمسها هذا الاجراء اجرت نقاشات حامية حول هذا النهج.

وفرنسا هي الاكثر تضررا من تجميد تصدير الاسلحة الى روسيا. فخلال سنة 2011 وقعت روسيا وفرنسا اتفاقا لتوريد سفينتين حربيتين من طراز "ميسترال" الى روسيا بقيمة تبلغ 2،1 ملياري يورو. وبعد اجراء محادثات على المستوى الاوروبي اعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا اولاند ان السفينة الاولى من الاثنتين سيتم تسليمها لروسيا في شهر تشرين الاول القادم، بالرغم من اجراءات الحظر التي اتخذها الاتحاد الاوروبي، وذلك بالنظر الى اهمية هذه الصفقة للاقتصاد الفرنسي. واضاف اولاند: اما مصير السفينة الثانية فيتعلق بسلوك روسيا. ولكن اذا لم يتم تنفيذ الاتفاق فإن على فرنسا ان تدفع لروسيا تعويضا بقيمة تفوق 600 مليون يورو، كبند جزائي. ان المقاطعة ستنعكس سلبا على الشركات الفرنسية المنتجة للتكنولوجيا العسكرية مثل Safran و EADS التي هي من الاوائل في العالم.

العقوبات الاقتصادية ضد روسيا
سيف ذو حدين
تكرير الغاز


وقد انتقدت بريطانيا سلوك فرنسا، ولكن بعد ان وصف رئيس الوزراء دايفيد كاميرون قرار اولاند بأنه "غير مقبول"، فإن بريطانيا وجدت نفسها في وضع مماثل، حيث انها تعهدت بتأمين طلبية عسكرية لروسيا بقيمة 132 مليون جنيه استرليني. وتبين ان الشركات البريطانية، ومنها BAE Systems Inc.، التي هي احدى شركات الاسلحة الرئيسية في العالم، لديها 285 اتفاقا موقعا مع روسيا. وقد تم الغاء 34 اتفاقا فقط تطبيقا لاجراءات الحظر.
وفي السنة الماضية كانت الشركة الالمانية Rheinmetall قد عقدت ايضا اتفاقا مع روسيا بقيمة 100 مليون يورو، تقوم الشركة بموجبه وحتى نهاية سنة 2014 ببناء قاعدة تدريبات عسكرية لروسيا (احدث من الاصل الالماني ذاته)، تقع في شرقي موسكو. ومراعاة لقرار العقوبات الصادر عن الاتحاد الاوروبي، اعلنت الحكومة الالمانية "ان تنفيذ هذه الطلبية هو غير مقبول في الوضعية الراهنة". وقد جرى حتى الان تجميد هذا الاتفاق بين شركة Rheinmetall والدولة الروسية. ولم يتضح بعد حجم الخسائر التي ستتحملها الشركة جراء عدم تنفيذ هذا المشروع.
اما ايطاليا فهي احدى الدول التي تعارض تطبيق اجراءات مشددة، وهو ما قام ببحثه القادة الاوروبيون. واحد الاسباب هو صناعة الاسلحة الايطالية، والمداخيل التي تؤمنها في التجارة مع الروس. والشركات الايطالية، ومنها شركة Finmeccanica التي هي احدى الشركات الرئيسية في العالم، صدرت في العام 2012 ـ 2013 سيارات عسكرية الى روسيا بقيمة ملايين الدولارات حسب معلومات وكالة SIPRI (Stockholm International Peace Research Institute) . وقرارات الاتحاد الاوروبي ستؤثر بشكل سلبي جدا على الانتاج السلسلي للعديد من الشركات الايطالية.

والجمهورية التشيكية ستتعرض لوضع مشابه لوضع ايطاليا. فالشركة المحلية LET (التي يملكها في الواقع تكتل مالي روسي) قد حققت نجاحات ملحوظة في العلاقات مع روسيا. والان يتوجب عليها ان توقف هذه العلاقات. وكانت الشركة قد قامت في السنتين الاخيرتين بتصدير طائرات حربية الى روسيا بقيمة ملايين الدولارات.

بوتين يريد الحد من استيراد الاسلحة من اوروبا

وافادت وكالة الصحافة الفرنسية ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعلن انه يتوجب على المجمع الصناعي ـ العسكري الروسي ان يحد في الوقت الراهن من استيراد الاسلحة والتكنولوجيا العسكرية من البلدان الاوروبية الاخرى، جوابا على قرار العقوبات الذي اتخذه الاتحاد الاوروبي. وأكد بوتين ان الصناعة الحربية الروسية هي قادرة تماما على انتاج كل ما تحتاجه البلاد. وجاء ذلك في كلمة القاها بوتين في مقر الرئاسة قرب موسكو. واعلن بوتين، نقلا عن وكالة انترفاكس ان روسيا ستركز جهودها "للتعجيل في استبدال الاستيراد العسكري بالانتاج المحلي وذلك على اوسع قاعدة ممكنة".

اوباما يقود الجوقة وروسيا سترد

وفي واشنطن اعلن الرئيس الاميركي اوباما ان اميركا تتخذ اجراءات عقوبات مماثلة ضد روسيا، وحمل المسؤولية للرئيس الروسي شخصيا عن السياسة الروسية الراهنة! وادعى اوباما ان هذه ليست حربا باردة جديدة. وقد ردت وزارة الخارجية على قرارات ادارة اوباما بتصريح جاء فيه ان روسيا لن تقف مكتوفة الايدي و"ان العقوبات غير الشرعية المعادية لروسيا، والسياسة الهدامة والقصيرة النظر" لواشنطن سوف تكون لها عواقب وخيمة "محددة جدا". وان الولايات المتحدة تحاول "ان تتهرب من مسؤوليتها عن التطور الدراماتيكي للوضع في اوكرانيا".
2014-08-04