ارشيف من :نقاط على الحروف
بورصة وأسهم وحركة تجارية ...
أنّ تتابع أخبار غزّة ومشاهد مجازرها يعني ببساطة أنّ تستعيد ما عايشته في نيسان 1996 وتمّوز 2006، يعني أنّ تتجرّع نفس المرارة والألم ولكن بنسخة فلسطينيّة. حينما ينهال عليك البثّ المباشر لصور أجساد الشّهداء، ستسرقك طفلةٌ تنام على سرير دمائها لتسترجع كلّ ما رسّخته في ذاكرة طفولتك وحشية الصّهاينة في قانا (1996, 2006) والمنصوري(1996) وتربطه مع ما رسمته الكتب في مخيلتك عن مجازر صبرا وشاتيلا(1982) .
لبست "الميادين" كوفية فلسطين مكرّسة شاشتها للدّم الغزيّ،بينما أفردت "المنار" بثّها للمقاومة الفلسطينيّة وقياداتها، وكذلك بالطّبع فعلت القنوات الفلسطينيّة.
أمّا على شاشات القنوات المستعربة فتنافست "إنتفاضة داعش في المناطق السنيّة العراقيّة" - كما يسمّونها - مع نزف الجرح الفلسطينيّ. إذ غُيّبت إنجازات المقاومة بشكل شبه تام ليُختصر الصّمود الفلسطيني بأخبار قصف جيش الإحتلال الإسرائيلي لغزّة وإحصاء أعداد "القتلى".
وقد استغرق دم الشهيد محمد أبو خضيرة قرابة الأسبوع ليحجز مكانًا بين عناوين نشرات الأخبار على هذه القنوات.
ففي بدايات العدوان على غزّة، كانت “الجزيرة” تكتشف البرازيل، بعاداتها وتقاليدها، وتتحدّث عن تأثير الإحتلال البرتغالي عليها أثناء تغطية المونديال. في حين تمّ التّعتيم على الأخبار الفلسطينيّة ومجازر الإحتلال الصّهيوني، وكأنّ ما يجري "فورة" ستنتهي خلال ساعات.
وليوم واحد فقط ، تحوّلت فلسطين "خبراً أوّلاً" في تغطية قناة العربيّة، بعد أن غرقت غزة بدمائها واشتعلت إرهاصات إنتفاضة ثالثة. وبقيت القناة عصية على تحسّس الجرح الفلسطيني، لتمرّ إنجازات المقاومة وجراحات الغزّيين كأخبار عادية لا ترقى لتتحوّل "الحدث الأبرز".
وفي بلد الحريّات البتراء، كانت العربيّة تناقش "تراث"حرية الصّحافة، في وقت كان حي شعفاط يشهد إنتفاضة الثأر لدم الشّهيد أبو خضيرة. هذه الإنتفاضة نالت نصيبها من التّعتيم عبر تحويلها إلى "مواجهات على خلفيّة خطف المستوطنين الثّلاثة".
وفي المشهد نفسه، وفي الوقت نفسه، كانت تبثّ إحدى القنوات الوثائقيّة تحقيقًا عن "الطعام الأورشليمي" - ترجمة حرفيّة – والنّكهات الإسرائيليّة والفلسطينيّة. إنّها قمّة المحبّة وأقصى أبعاد "السّلام"، ودائمًا في ظلّ قصف الصّهيوني.
"العربية" في زمن المقاومة الفلسطينيّة
أهمّ ما يشغل بال العربيّة أثناء العدوان على غزّة هو "واقع قطاع الإتصالات المصرية"، و"المسبار الفضائي الإماراتي"، و"دمج شركات النّفط"، إضافةً إلى ضرورة" تحويل مسار الطائرات" بسبب الأزمة السّوريّة، وتكلفة التّحويل الباهظة.
ولاتنسى عزيزي المشاهد محوريّة النّشرات الإقتصادية المركّزة، وحركة أسهم البورصة والأسواق التّجاريّة في الخليج العربي. وهذه احتلت مكان شريط الأخبار، طبعًا لأنّ "المقاومة الإقتصاديّة العربيّة" تسير على قدمٍ وساق، وتسهم في دعم الطائرات الفلسطينيّة بالنّفط لدكّ حصون الصّهاينة، لذا كان لا بدّ من حوارات مطوّلة حول الإقتصاديّات العربيّة.
لا مكان لفلسطين هنا، إذ استحالت شأنًا قطريًا – نتيجة التّحالف السياسيّ مع قادة المقاومة في حماس - تلقفته قناة "الجزيرة" بعد أنّ فرضت المقاومة الفلسطينيّة نفسها فاعلاً يدير دفّة المعركة. لذا بات من المحرج أنّ تغيب القناة القطريّة عن تغطية العدوان الصّهيوني.
حينما أوردت العربيّة خبر عثور "الجيش الإسرائيلي" على جثث المستوطنين الثلاثة في غزّة، اعتمدت على تقديرات "مصادر إسرائيلية" للتّدقيق في حقيقة مقتلهم. يومها أعلنت العربيّة حرفيًا عن "تحقق الاختراق الاستخباراتي قبل 48 ساعة من العثور على الجثث" والكلام هنا عن جيش الإحتلال الإسرائيلي. إنّه إنجاز صهيوني لا يمكن للعربيّة تفويته، إنّه "اختراق إستخباراتي"، والصّهاينة ماضون "في الحملة العسكرية ضد حماس في الضفة الغربية" ويقومون بـ "التحضير لعملية ضد قطاع غزة".
يستكمل الخبر إنجازاته بالحديث عن "رواية حماس" حول قضيّة المخطوفين.. وقد استخدمت عدّة عبارات اختصرت غزّة بحماس كـ "حماس تواصل الحرب"، وعن المنشورات الصهيونيّة التّحذيريّة أوردت "العربيّة" أنّ "حماس" اعتبرتها جزءًا من الحرب النّفسيّة على الفلسطينيين.
إذاً لا مكان لفلسطين، ولا لمقاومة فلسطينيّة على خارطة "العربيّة". هناك تنظيم إسمه "حماس" ما زال البعض في "العربيّة" - لغاية الآن - يخجل من نعته بـ "الإرهابي"، ما زال، للأسف، يقضّ مضجع المحتلّ.
إبداعات "العربيّة" لا حدود لها، إذ بثّت القناة تقرير شرحت فيه أسلوب عمل القبّة الحديدية موضحة مميزاتها وقدراتها عبر رسم تشبيهي، وكأنّها تسأل المقاومين أنّى تذهبون بصواريخكم أيّها المغامرون؟ وهل أنتم بحجم "إسرائيل" لتقاتلوها؟ في مشهد يعيد إلى الذّاكرة سيناريو تمّوز 2006 بحذافيره. وكأنّ القناة غائبة تمامًا عن الواقع، أم أنّه التّعامي عن إنجازات قوّات النّخبة الفلسطينيّة في اختراق المنظومة الدّفاعيّة الصّهيونيّة عبر التّسلّل إلى داخل العمق الفلسطيني المحتلّ عدّة مرّات؟
وقد اعتمدت "العربيّة" عبارة "اعترضت القبة الحديديّة" للإعلان عن عدد الصّواريخ المٌسقطة في فلسطين المحتلّة، فيما لم تتبنى ما لم تعترضه هذه القبّة مستخدمةً عبارة "أعلنت كتائب القسام" عن ضرب عدد محدّد من الصواريخ والقذائف. وقد كان بإمكانها الإستناد إلى إعلام العدوّ للتّأكّد من سقوط هذه الصّواريخ، وإيراد الخبر بصورة ولو مساوية لتلك التّي "اعترضت" بهدف الحفاظ على "الحياديّة". هذه الحياديّة غير المفهومة وغير المبرّرة في صراع الحق والباطل، خصوصًا ممن يفترض أنّهم "العرب" وأصحاب القضيّة...
وقد عملت العربيّة كعدّاد الموت، لكنّه عدّاد يعود ليبدأ من الصّفر مع انتهاء الهدنة الإنسانيّة (مقتل 19 فلسطينيا منذ بدء العمليّة البريّة)، وكأنّ الشّهداء الذّين سقطوا قبلها (320 شهيدًا حينها) ما كانوا. أضف إلى ذلك أنّه بعيون "العربيّة"، والعربيّة جدًا، هؤلاء الشّهداء هم "قتلى".
وقد أمعنت "العربيّة" في الحرب النّفسيّة المعكوسة - انتقاء المفردات- مسميةً غارات قوّات الإحتلال بـ"سلاح الجيش الإسرائيلي التّحذيري".
وبما أنّ "الدّنيا رمضان"، خصّت "العربيّة" الشّهر الفضيل بسلسلتين من التّقارير، "تقارير الحرمين"، و "دراما رمضان"، فيما لم تستحوّذ غزّة على أقلّ نسبة تستحقّها من التّغطية ولو على سبيل "الصّدقة" في شهر الخير والرّحمة.
واستكمالاً لإنجازاتها "الحصريّة"، خصّت "العربيّة" الإنجازات العلميّة بعدة تقارير حول "علاقة العيون باكتشاف الزهايمر"، وبثّت عدّة وثائقيات حول تعلّم الأطفال والقرود، والنّظام الإيكولوجي في وادي الحكاك السعوديّة. كلّ ذلك فيما بقيت غزّة مجرّد خبر، من حسن حظّه أنّ يتصدّر النّشرة كخبر أوّل. فيشعر المشاهد أنّ الزهايمر بدأ يغزو ذاكرة القناة الكريمة..
ويبقى أهمّ ما قدّمته "العربيّة"أثنّاء قصف غزّة بشراسة، خبر "عضّ"فنانة لزميلتها. نعم. صدّق عزيزي المشاهد، ستفرك عينيك قليلاً لتتأكّد من سلامة نظرك، لكن في وقت تغطّي فيه غالبية القنوات حصار حيّ الشّجاعيّة ومجزرته - حتّى العالميّة منها– ولو خجلاً، تجد "العربيّة" المساحة للحديث عن "عضّة" فنانة، وسيارات "نادرة" مدفونة في البحر الأحمر. لم تستحقّ غزّة تغطية مماثلة لتلك التّي أتيحت لكأس العالم حتّى.
مجزرة الشّجاعيّة
على شاشة تقيس الوجود بميزان البورصة، جلّ ما تستحقّه فلسطين من النّشرة الإخباريّة هو صور scoope لمجزرة حي الشّجاعية، وفرار النّاجين منها. هي صورٌ إعتذرت "العربيّة" عن بثّ بعضها لقساوة المشهد، في ظلّ اشمئزاز المذيعة المتأثّرة أثناء إعلانها عن سقوط "20قتيل" فيما أعلن التّصريح الرّسمي عن30 شهيداً. جلّ ما استحقته الشّجاعية هو صورتين "نظيفتين" لا تخدشان نظر حكّام البترودولار الذّين أسكتهم هول المجازر وفظاعاتها حدَّ الخرس فما عادوا يطيقون استنكاراً، ووقتا لم يتجاوز الـ 5 دقائق..
ولتبقى الصورة جميلة، لا تخدشها دماء أو أشلاء، جاء مشهد الإقتتال على الهواء في برنامج أردني، ليضيف نكهة "الفكاهة" السّمجة. كيف لا والعربية هي "أن تعرف أكثر"؟
ولأنّ المال هو أصل وجود بعض القنوات، اهتمّت العربيّة بنداء الأونروا للمساعدات الماديّة، والمهم أنّ المشهد بقي نظيفاً. وطبعاً انتقلت بعدها العربية لعرض أحوال البورصة وسوق العرض والطّلب في الخليج، في وقت ما تزال المجزرة في الشّجاعية مستمرة.
عندها لا يمكنك إلا أن تتذكّر كلام السيّد نصر الله أنّ "الدّم الذي سفك بالأمس دم ليس دمهم"، و"اللحم الذي تناثر بالأمس لحم ليس لحمهم" ولن نقول "رأيناهم يفرحون ويهللون ويبتهجون"...
لكنّ العربية انفردت بكونها تصلح لتقديم "إعلام كوارث" لا إعلام حرب وقضيّة"، إعلام يحرّض على سوريا والعراق وحزب الله، وكلّ من حمل سلاحًا في وجه المحتلّ.
وفي قلب البركان الممتد من سهل نينوى إلى ساحل غزة، باتت أنفاسنا شيئًا من التّرف، أمّا كرامتنا فمعلقةٌ بفوهة بندقيةٍ وحّد رصاصها الجيشين اللّبناني والسّوري، واستشهاديّو حزب الله والمقاومة الفلسطينية. بندقيةٌ وحدها اليوم تصون الوجود، وبنيرانها تعيد رسم الحدود، وكل ما سواها وهم وجحود. فقل أعوذ بربّ قانا الجليل، وجباليا، وكلّ غزّة من جبنكم وخالص جهلكم وعميق حقدكم.
لبست "الميادين" كوفية فلسطين مكرّسة شاشتها للدّم الغزيّ،بينما أفردت "المنار" بثّها للمقاومة الفلسطينيّة وقياداتها، وكذلك بالطّبع فعلت القنوات الفلسطينيّة.
أمّا على شاشات القنوات المستعربة فتنافست "إنتفاضة داعش في المناطق السنيّة العراقيّة" - كما يسمّونها - مع نزف الجرح الفلسطينيّ. إذ غُيّبت إنجازات المقاومة بشكل شبه تام ليُختصر الصّمود الفلسطيني بأخبار قصف جيش الإحتلال الإسرائيلي لغزّة وإحصاء أعداد "القتلى".
وقد استغرق دم الشهيد محمد أبو خضيرة قرابة الأسبوع ليحجز مكانًا بين عناوين نشرات الأخبار على هذه القنوات.
ففي بدايات العدوان على غزّة، كانت “الجزيرة” تكتشف البرازيل، بعاداتها وتقاليدها، وتتحدّث عن تأثير الإحتلال البرتغالي عليها أثناء تغطية المونديال. في حين تمّ التّعتيم على الأخبار الفلسطينيّة ومجازر الإحتلال الصّهيوني، وكأنّ ما يجري "فورة" ستنتهي خلال ساعات.
وليوم واحد فقط ، تحوّلت فلسطين "خبراً أوّلاً" في تغطية قناة العربيّة، بعد أن غرقت غزة بدمائها واشتعلت إرهاصات إنتفاضة ثالثة. وبقيت القناة عصية على تحسّس الجرح الفلسطيني، لتمرّ إنجازات المقاومة وجراحات الغزّيين كأخبار عادية لا ترقى لتتحوّل "الحدث الأبرز".
وفي بلد الحريّات البتراء، كانت العربيّة تناقش "تراث"حرية الصّحافة، في وقت كان حي شعفاط يشهد إنتفاضة الثأر لدم الشّهيد أبو خضيرة. هذه الإنتفاضة نالت نصيبها من التّعتيم عبر تحويلها إلى "مواجهات على خلفيّة خطف المستوطنين الثّلاثة".
وفي المشهد نفسه، وفي الوقت نفسه، كانت تبثّ إحدى القنوات الوثائقيّة تحقيقًا عن "الطعام الأورشليمي" - ترجمة حرفيّة – والنّكهات الإسرائيليّة والفلسطينيّة. إنّها قمّة المحبّة وأقصى أبعاد "السّلام"، ودائمًا في ظلّ قصف الصّهيوني.
"العربية" في زمن المقاومة الفلسطينيّة
أهمّ ما يشغل بال العربيّة أثناء العدوان على غزّة هو "واقع قطاع الإتصالات المصرية"، و"المسبار الفضائي الإماراتي"، و"دمج شركات النّفط"، إضافةً إلى ضرورة" تحويل مسار الطائرات" بسبب الأزمة السّوريّة، وتكلفة التّحويل الباهظة.
ولاتنسى عزيزي المشاهد محوريّة النّشرات الإقتصادية المركّزة، وحركة أسهم البورصة والأسواق التّجاريّة في الخليج العربي. وهذه احتلت مكان شريط الأخبار، طبعًا لأنّ "المقاومة الإقتصاديّة العربيّة" تسير على قدمٍ وساق، وتسهم في دعم الطائرات الفلسطينيّة بالنّفط لدكّ حصون الصّهاينة، لذا كان لا بدّ من حوارات مطوّلة حول الإقتصاديّات العربيّة.
لا مكان لفلسطين هنا، إذ استحالت شأنًا قطريًا – نتيجة التّحالف السياسيّ مع قادة المقاومة في حماس - تلقفته قناة "الجزيرة" بعد أنّ فرضت المقاومة الفلسطينيّة نفسها فاعلاً يدير دفّة المعركة. لذا بات من المحرج أنّ تغيب القناة القطريّة عن تغطية العدوان الصّهيوني.
حينما أوردت العربيّة خبر عثور "الجيش الإسرائيلي" على جثث المستوطنين الثلاثة في غزّة، اعتمدت على تقديرات "مصادر إسرائيلية" للتّدقيق في حقيقة مقتلهم. يومها أعلنت العربيّة حرفيًا عن "تحقق الاختراق الاستخباراتي قبل 48 ساعة من العثور على الجثث" والكلام هنا عن جيش الإحتلال الإسرائيلي. إنّه إنجاز صهيوني لا يمكن للعربيّة تفويته، إنّه "اختراق إستخباراتي"، والصّهاينة ماضون "في الحملة العسكرية ضد حماس في الضفة الغربية" ويقومون بـ "التحضير لعملية ضد قطاع غزة".
يستكمل الخبر إنجازاته بالحديث عن "رواية حماس" حول قضيّة المخطوفين.. وقد استخدمت عدّة عبارات اختصرت غزّة بحماس كـ "حماس تواصل الحرب"، وعن المنشورات الصهيونيّة التّحذيريّة أوردت "العربيّة" أنّ "حماس" اعتبرتها جزءًا من الحرب النّفسيّة على الفلسطينيين.
إذاً لا مكان لفلسطين، ولا لمقاومة فلسطينيّة على خارطة "العربيّة". هناك تنظيم إسمه "حماس" ما زال البعض في "العربيّة" - لغاية الآن - يخجل من نعته بـ "الإرهابي"، ما زال، للأسف، يقضّ مضجع المحتلّ.
إبداعات "العربيّة" لا حدود لها، إذ بثّت القناة تقرير شرحت فيه أسلوب عمل القبّة الحديدية موضحة مميزاتها وقدراتها عبر رسم تشبيهي، وكأنّها تسأل المقاومين أنّى تذهبون بصواريخكم أيّها المغامرون؟ وهل أنتم بحجم "إسرائيل" لتقاتلوها؟ في مشهد يعيد إلى الذّاكرة سيناريو تمّوز 2006 بحذافيره. وكأنّ القناة غائبة تمامًا عن الواقع، أم أنّه التّعامي عن إنجازات قوّات النّخبة الفلسطينيّة في اختراق المنظومة الدّفاعيّة الصّهيونيّة عبر التّسلّل إلى داخل العمق الفلسطيني المحتلّ عدّة مرّات؟
وقد اعتمدت "العربيّة" عبارة "اعترضت القبة الحديديّة" للإعلان عن عدد الصّواريخ المٌسقطة في فلسطين المحتلّة، فيما لم تتبنى ما لم تعترضه هذه القبّة مستخدمةً عبارة "أعلنت كتائب القسام" عن ضرب عدد محدّد من الصواريخ والقذائف. وقد كان بإمكانها الإستناد إلى إعلام العدوّ للتّأكّد من سقوط هذه الصّواريخ، وإيراد الخبر بصورة ولو مساوية لتلك التّي "اعترضت" بهدف الحفاظ على "الحياديّة". هذه الحياديّة غير المفهومة وغير المبرّرة في صراع الحق والباطل، خصوصًا ممن يفترض أنّهم "العرب" وأصحاب القضيّة...
وقد عملت العربيّة كعدّاد الموت، لكنّه عدّاد يعود ليبدأ من الصّفر مع انتهاء الهدنة الإنسانيّة (مقتل 19 فلسطينيا منذ بدء العمليّة البريّة)، وكأنّ الشّهداء الذّين سقطوا قبلها (320 شهيدًا حينها) ما كانوا. أضف إلى ذلك أنّه بعيون "العربيّة"، والعربيّة جدًا، هؤلاء الشّهداء هم "قتلى".
وقد أمعنت "العربيّة" في الحرب النّفسيّة المعكوسة - انتقاء المفردات- مسميةً غارات قوّات الإحتلال بـ"سلاح الجيش الإسرائيلي التّحذيري".
وبما أنّ "الدّنيا رمضان"، خصّت "العربيّة" الشّهر الفضيل بسلسلتين من التّقارير، "تقارير الحرمين"، و "دراما رمضان"، فيما لم تستحوّذ غزّة على أقلّ نسبة تستحقّها من التّغطية ولو على سبيل "الصّدقة" في شهر الخير والرّحمة.
واستكمالاً لإنجازاتها "الحصريّة"، خصّت "العربيّة" الإنجازات العلميّة بعدة تقارير حول "علاقة العيون باكتشاف الزهايمر"، وبثّت عدّة وثائقيات حول تعلّم الأطفال والقرود، والنّظام الإيكولوجي في وادي الحكاك السعوديّة. كلّ ذلك فيما بقيت غزّة مجرّد خبر، من حسن حظّه أنّ يتصدّر النّشرة كخبر أوّل. فيشعر المشاهد أنّ الزهايمر بدأ يغزو ذاكرة القناة الكريمة..
ويبقى أهمّ ما قدّمته "العربيّة"أثنّاء قصف غزّة بشراسة، خبر "عضّ"فنانة لزميلتها. نعم. صدّق عزيزي المشاهد، ستفرك عينيك قليلاً لتتأكّد من سلامة نظرك، لكن في وقت تغطّي فيه غالبية القنوات حصار حيّ الشّجاعيّة ومجزرته - حتّى العالميّة منها– ولو خجلاً، تجد "العربيّة" المساحة للحديث عن "عضّة" فنانة، وسيارات "نادرة" مدفونة في البحر الأحمر. لم تستحقّ غزّة تغطية مماثلة لتلك التّي أتيحت لكأس العالم حتّى.
مجزرة الشّجاعيّة
على شاشة تقيس الوجود بميزان البورصة، جلّ ما تستحقّه فلسطين من النّشرة الإخباريّة هو صور scoope لمجزرة حي الشّجاعية، وفرار النّاجين منها. هي صورٌ إعتذرت "العربيّة" عن بثّ بعضها لقساوة المشهد، في ظلّ اشمئزاز المذيعة المتأثّرة أثناء إعلانها عن سقوط "20قتيل" فيما أعلن التّصريح الرّسمي عن30 شهيداً. جلّ ما استحقته الشّجاعية هو صورتين "نظيفتين" لا تخدشان نظر حكّام البترودولار الذّين أسكتهم هول المجازر وفظاعاتها حدَّ الخرس فما عادوا يطيقون استنكاراً، ووقتا لم يتجاوز الـ 5 دقائق..
ولتبقى الصورة جميلة، لا تخدشها دماء أو أشلاء، جاء مشهد الإقتتال على الهواء في برنامج أردني، ليضيف نكهة "الفكاهة" السّمجة. كيف لا والعربية هي "أن تعرف أكثر"؟
ولأنّ المال هو أصل وجود بعض القنوات، اهتمّت العربيّة بنداء الأونروا للمساعدات الماديّة، والمهم أنّ المشهد بقي نظيفاً. وطبعاً انتقلت بعدها العربية لعرض أحوال البورصة وسوق العرض والطّلب في الخليج، في وقت ما تزال المجزرة في الشّجاعية مستمرة.
عندها لا يمكنك إلا أن تتذكّر كلام السيّد نصر الله أنّ "الدّم الذي سفك بالأمس دم ليس دمهم"، و"اللحم الذي تناثر بالأمس لحم ليس لحمهم" ولن نقول "رأيناهم يفرحون ويهللون ويبتهجون"...
لكنّ العربية انفردت بكونها تصلح لتقديم "إعلام كوارث" لا إعلام حرب وقضيّة"، إعلام يحرّض على سوريا والعراق وحزب الله، وكلّ من حمل سلاحًا في وجه المحتلّ.
وفي قلب البركان الممتد من سهل نينوى إلى ساحل غزة، باتت أنفاسنا شيئًا من التّرف، أمّا كرامتنا فمعلقةٌ بفوهة بندقيةٍ وحّد رصاصها الجيشين اللّبناني والسّوري، واستشهاديّو حزب الله والمقاومة الفلسطينية. بندقيةٌ وحدها اليوم تصون الوجود، وبنيرانها تعيد رسم الحدود، وكل ما سواها وهم وجحود. فقل أعوذ بربّ قانا الجليل، وجباليا، وكلّ غزّة من جبنكم وخالص جهلكم وعميق حقدكم.