ارشيف من :آراء وتحليلات

انهيار مسيرة الاستسلام العربي انتكاسة كبرى لمشروع الهيمنة

انهيار مسيرة الاستسلام العربي انتكاسة كبرى لمشروع الهيمنة
هل كان يمكن للأحداث التي يشهدها العالم العربي منذ ثلاثة عقود أن تحدث فيما لو لم يسقط النظام الشاهنشاهي في إيران؟ وهل كان يمكن للظاهرة التكفيرية أن ترى النور بمعزل عن الصراع المحتدم بين المحور الصهيو-أميركي ومحور المقاومة الذي تحول إلى رقم صعب منذ تفجر الثورة الإسلامية في إيران؟

حدثان وقعا خلال القرن الماضي وعززا الشعور بأن العالم، والمنطقة العربية على وجه الخصوص، لم يعد لهما من مستقبل غير العيش في ظل الهيمنة الغربية.

الأول هو انهيار الخلافة أو الإمبراطورية العثمانية كتتويج للحرب العالمية الأولى، والثاني هو انهيار الإتحاد السوفياتي كتتويج للحرب الباردة والقطبية الثنائية.


انهيار مسيرة الاستسلام العربي انتكاسة كبرى لمشروع الهيمنة
خريطة الشرق الاوسط

الانهيار العثماني سمح لبريطانيا وفرنسا -اللتين كانتا تفرضان هيمنتهما على معظم مناطق العالم- بتقاسم المشرق العربي الذي كان ما يزال يشكل قسماً من الإمبراطورية العثمانية. وسمح خصوصاً باغتصاب فلسطين من قبل الصهيونية المدعومة من القوى الغربية.

وعلى الرغم من الآمال بتحقيق الوحدة وتحرير فلسطين، وهي الآمال التي تحطمت منذ هزيمة الخامس من حزيران/يونيو 1967، لم يعد من الممكن لتاريخ المنطقة العربية المعاصر أن يوصف إلا من حيث كونه تاريخاً لتعمق الهيمنة التي يفرضها المحور الصهيو-أميركي. وفي الوقت نفسه، تاريخاً لتعاظم ثقة هذا المحور بسيادته المطلقة على المستقبل القريب والبعيد للمنطقة.

ولم يكن من الممكن لانهيار الاتحاد السوفياتي إلا أن يعمق ثقة المعسكر الصهيو-أميركي بالسيادة ليس فقط على مستقبل المنطقة العربية. بل أيضاً على مستقبل العالم بأسره. ومن هنا، ظهرت مقولات نهاية التاريخ وبزوغ شمس الإمبراطورية الأميركية العالمية.

الحدث الذي رسم مستقبل المنطقة

لكن حدثاً ثالثاً عكر صفاء بحيرة الثقة بأن العالم قد سقط كثمرة ناضجة بين يدي واشنطن. إنه الثورة الإسلامية في إيران التي أطاحت بالنظام الشاهنشاهي، أهم مرتكزات المشروع الصهيو-أميركي في المنطقة، والذي كان، شأنه شأن الكيان الصهيوني، بمثابة الهراوة المُصْلَتة على كل محاولة تحررية في المجال الإقليمي.

ومنذ انتصار الثورة الإسلامية التي وضعت القضية الفلسطينية في طليعة أولوياتها، كان من الواضح أن مسيرة الاستسلام العربي المنسجم مع متطلبات مشروع الهيمنة الصهيو-أميركية لم تعد تشكل السمة الأكثر بروزاً في تاريخ المرحلة. حتى وإن كانت تلك المسيرة التي افتتحت بمعاهدات كمب دافيد، عام 1979، قد اكتسبت قوة جديدة مع توقيع معاهدات أوسلو، عام 1993، ووادي عربة، عام 1994.

عودة الوعي إلى شعوب المنطقة بفعل فضائح الربيع العربي وفظائعه
وكان من الطبيعي لظهور قوة رافضة لحالة الاستسلام التي انخرطت فيها معظم الأنظمة العربية أن تثير مخاوف المحور الصهيو-أميركي وأدواته في المنطقة وأن تدفعه إلى العمل بكل الوسائل لضرب الجمهورية الإسلامية كشرط للمضي قدماً في فرض الاستسلام الكامل على العرب.

من هنا، لم يمر يوم منذ انتصار الثورة الإسلامية قبل 35 عاماً دون أن يشهد تطوراً على صلة بما يبذل من جهود من أجل ضرب تلك الثورة. هذا يعني أن تاريخ المنطقة في تلك المرحلة لم يعد شيئاً آخر غير تاريخ المحاولات الهادفة لضربها، وتاريخ الفشل الذريع الذي منيت به تلك المحاولات.
الحرب الظالمة التي شنها نظام صدام حسين على إيران طيلة ثماني سنوات بدعم عربي ودولي على مستويات التمويل والتسليح والإمداد بالجيوش لم تتمكن من تحقيق هدفها. وفوق ذلك وضعت ذلك النظام في مأزق انتهى بانهياره تحت ضربات تحالف قادته واشنطن.

والأكيد أن فشل تلك الحرب الذي تزامن تقريباً مع حرب أخرى توقفت طالبان عن شنها ضد إيران في اللحظة الأخيرة، هو ما دفع الولايات المتحدة إلى مباشرة المهمة بنفسها والعمل على محاصرة إيران عبر احتلال العراق، وقبله أفغانستان، البلدين اللذين يحدان إيران من الشرق والغرب، إضافة إلى نشر الأساطيل والقواعد العسكرية غير بعيد من الحدود والشواطئ الإيرانية.

قفزات مذهلة


التاريخ الحالي للمنطقة هو تاريخ فشل المحاولات الهادفة إلى ضرب محور المقاومة
وبالرغم من الحصار الاقتصادي والضغوط السياسية، والتهديدات الأميركية و/أو الإسرائيلية شبه اليومية بضرب إيران والتي لم ينفذ أي منها بسبب الخوف من القدرات العسكرية الإيرانية، تمكنت إيران، وبالاعتماد على قدراتها الذاتية، من تحقيق قفزات مذهلة في جميع المجالات الاقتصادية والعسكرية والثقافية والديبلوماسية. وكل ذلك دون أن تتوقف للحظة عن مد يد المساعدة لحركات التحرر والمقاومة في المنطقة والعالم.

وقد لعبت هذه المساعدة دوراً أساسياً في إفشال الحرب على سوريا وفي الانتصارات التي حققتها المقاومة، وما تزال تحققها، في كل من لبنان وغزة. انتصارات بات من الأكيد أنها قلبت موازين القوى وأدخلت الكيان الصهيوني ورعاته الغربيين وأدواته العربية في سياق التراجع الحتمي المفتوح على الهزيمة النهائية واستعادة شعوب المنطقة لحقوقها السليبة.

والأكيد أن رهان قوى الهيمنة على الربيع العربي وإفرازاته التكفيرية الإرهابية كورقة في المواجهة محكوم عليه بالفشل لسبب بسيط هو عودة الوعي إلى الشعوب العربية في البلدان التي اجتاحتها هذه الظاهرة. وهذا يبشر بأن المستقبل القريب سيكون زمن التحولات الكبرى التي تستلهم الثورة الإسلامية وتلحق الهزيمة بمشاريع الهيمنة الصهيو-أميركية.

2014-08-06