ارشيف من :آراء وتحليلات

سيف وبندقية وعقل يحترف الاجرام

سيف وبندقية وعقل يحترف الاجرام
منذ نشوئها بالتحالف مع البريطانيين، عمدت الوهابية الى أسلوب الإغارات على المحيط لإضعاف الخلافة العثمانية في منطقة شبه الجزيرة العربية.

وفي الواقع ان دور الوهابية في خدمة السياسة البريطانية لم يقتصر على الجزيرة العربية، بل تجاوزها إلى الدول العربية والعالم الإسلامي.

ورغم محورية فكرة إقامة الخلافة الاسلامية في الفكر الوهابي والسلفي، إلا ان حربها على العثمانيين ( مع ما تمثله هذه من كونها كانت تعبر عن الخلافة الاسلامية) يتناقض مع شعار اقامة الخلافة. وهو شعار ترفعه الآن الجماعات التكفيرية ايضا وتدعو اليه بأساليب وعناوين شتى.

ولئن برزت داعش الآن كأداة بيد الاستخبارات الاميركية والصهيونية وحلف الناتو، فقد برزت الوهابية أيضا قبلها كأداة طيعة منذ انطلاقها بيد الانكليز الذين كانوا في كثير من الاحيان يتدخلون بأساطيلهم لحسم بعض المعارك العسكرية التي عجزت العصابات الوهابية عنها.

وتتشابه الى حد كبير أساليب الاغارات التي تنتهجها داعش مع الاساليب التي انتهجتها الوهابية عند انطلاقها، وهي نفسها الى حد التطابق مع اساليب العصابات الصهيونية كعصابات الهجاناه.

وتتشابه ايضا اساليب القتل والسلب والنهب، وزرع الخوف عبر تقطيع الرؤوس وغيرها من الاساليب الوحشية.

ما سنقدمه في هذا المقال غيض من فيض من جرائم ربما لو كتبت من غير اسماء لما تردد القارىء باعتقاده اننا نتحدث عن داعش، عن مشاهد من الموصل وسنجار في العراق، او من الرقة ودير الزور في سوريا، لكننا في الواقع ما سنقدمه هو بعض مما قامت به الوهابية خلال حروبها في طريقها لبناء مملكتها على انقاض الخلافة العثمانية بالتعاون والتعاضد مع البريطانيين الذين وصفهم ابن سعود ، مؤسس المملكة وقائد حروبها، بانهم اهل للثقة والمودة والصداقة والتحالف.

سيف وبندقية وعقل يحترف الاجرام
الوهابية

حروب الوهابية على طريق بناء مملكتها

من مدينة الطائف، نبدأ حيث هاجمها الوهابيون بدعوى تحريرها مما يسمونه الشرك!! وكانت الطائف تحت حكم الشريف غالب حاكم مكة ، الذي كان بينه وبين الوهابية مواثيق .

غدر الوهابيون بحليفهم حيث تمكنوا من الاستيلاء على الطائف، فدخلوها في ذي القعدة 1217هـ/1802م ، فقتلوا اهلها دون تمييز بين رجل وامرأة وطفل، حتى انهم ذبحوا الاطفال الرضع في حجور امهاتهم ، كما ذكر ذلك محمد الأمين في كشف الارتياب ( ص 18 ).

ولم يسلم من القتل حتى من لاذ بالمساجد او لزموا بيوتهم فلاحقوا الفارين من المدينة وقتلوا أكثرهم . كما انهم أعطوا الأمان للبعض وما ان استسلموا حتى ضربوا أعناق فريق منهم، وأخرجوا الفريق الآخر إلى أحد الأودية، واسمه وادي الوج، فتركوهم مكشوفي العورات ومعهم النساء.
ولم تسلم المصاحف والكتب الدينية فقاموا بتمزيقها ورميها في الأزقة .

كل ذلك واهل الطائف من المسلمين الحنابلة.

بعد استيلائهم على الطائف بدأ الهجوم الوهابي على مكة المكرمة مباشرة فدخلوها سنة 1218هـ/1803م كما ذكرذلك عبد الله ابن الشريف حسين في ( صدق الخبر في خوارج القرن الثاني عشر )، أما مؤرخ الوهابية عثمان بن بشر الحنبلي النجدي فيذكر ذلك في أحداث سنة 1220هـ .
ومن أفعال الوهابية خلال غاراتهم على مكة والمشاعر العظام أن توجه اثنان من قادتهم وهما عثمان المضايفي والذي أصبح أمير الطائف بعد الاستيلاء عليها، وابن شكبان إلى عرفة فقتلا من لم يطعهما وأسرا الكثير من الناس، ثمَّ انتقلا إلى وادي مرّ ينهبون ويقتلون الواردين إلى مكة المكرمة ما أدى إلى امتناع أهل الحجاز عن الحج.

لقد كان لدخول الجيوش المصرية الجزيرة العربية ( محمد علي باشا) للقضاء على الوهابية سنة 1226 هـ / 1811 م ، والتي بقيت حتى عام 1234 هـ / 1818 م ، أثر كبير في إضعاف الوهابية في دولتها الاولى وسيطرتها على الحرمين الشريفين، ولكن القبضة المصرية ما لبثت أن تراخت، لتقوم قائمة الوهابية ثانية.

وكان قيام الوهابية ثانية بفعل التعاون الوثيق الذي حصل بين الوهابية والانتداب البريطاني لاضعاف الخلافة " الاسلامية" العثمانية.
مهما يكن من امر فقد جعل الوهابيون الديارالمقدسة رهينة في أيديهم وراحوا يتحكمون بحركة الوفود إليها.

إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تعداه إلى قتل الحجيج العزل بشكل وحشي في اكثر من مناسبة، ومنها مجزرة الحاج اليماني، ففي سنة 1341هـ/ 1921م انقض الوهابيون على الحجاج اليمانيين المتوجهين إلى مكة فقتلوهم غدرا وغيلة دون سبب، فقد صودف أن التقت سرية من الوهابيين بحوالي ألف من أبناء اليمن القادمين لأداء فريضة الحج، وكانوا بطبيعة الحال عزلا من السلاح، فسايرهم الجنود الوهابية بعد أن أعطوهم الأمان، فلما وصل الفريقان إلى وادي ( تنومة ) والوهابيون في الجهة العليا بينما اليمنيون في الجهة الدنيا، انقض المسلحون على الحجاج بأسلحتهم فأبادوهم ولم ينج منهم إلا اثنان.

وقد عمد الوهابيون الى مكتبة مكة المكرمة اثناء اغارتهم على المدينة واحرقوها وعاثوا فيها فسادا.

وتعتبر هذه المكتبة من أنفس مكتبات العالم، إذ كانت تحوي ستين ألفاً (60,000) من الكتب النادرة، وحوالي أربعين ألف (40,000) مخطوطة، بعضها مما أملاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبعضها كتبه الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة، ومنها ما هو مكتوب على جلود الغزلان والعظام والألواح الخشبية والرقم الفخارية والطينية، كما كانت المكتبة تشكل في جانب منها متحفاً يحتوي على مجموعة من آثار ما قبل الإسلام وبعده.
يعتبر الاتهام بالشرك الذي يطلقه محمد بن عبد الوهاب على احدهم كافيا لهدر دمه. وقد مورس ذلك بكثرة مفرطة ضدَّ المسلمين في جزيرة العرب، ومن امثلته ما دوَّنه الوهابيون أنفسهم، فقد جاء في الصفحة (97) من كتاب ( تاريخ نجد ) نقله الشيخ حسين بن غنام عن رسائل محمد بن عبد الوهاب:
يقول محمد بن عبد الوهاب: ( إن عثمان بن معمَّر – حاكم بلد عيينة – مشركٌ كافر، فلما تحقق المسلمون من ذلك تعاهدوا على قتله بعد انتهائه من صلاة الجمعة، وقتلناه وهو في مصلاه بالمسجد في رجب 1163 هـ .).

ومن الأقطار التي هاجمتها الوهابية الكويت، فوجهوا إليها الغارات تنهب وتقتل وتسلب وتسبي، وكانت الحملة الأولى سنة 1205 هـ / 1790 م ، ثم تلتها حملة أخرى سنة 1213هـ / 1798 م ، وثالثة سنة 1223 هـ / 1808 م ووصلوا في هذه الأخيرة إلى الجهراء.
اما قطر فالحقيقة أن الغارات الوهابية عليها بدأت منذ سنة 1208هـ/ 1793م ، حيث قاتل ابن عفيصان بني عتبة (العتوب) في الزبارة في قطر، وحاصرهم، ومنع الناس من الدخول إليها أو الخروج منها، حتى اضطر العتوب للهجرة إلى البحرين هرباً بنسائهم وأطفالهم سنة 1212هـ (1797م)، ولم يعودوا حتى دخلوا مكرهين في المذهب الوهابي. وهاجم الوهابية كذلك مناطق أخرى في قطر حيث تقيم قبائل فريحة والحويلة واليوسفية والرويضة وغيرها، وأخذوا يثيرون الشقاق والضغائن بينهم.

اما العراق فقد حشد الوهابية سنة 1216هـ / 1801 جيشا من أعراب نجد قدر بعشرين ألفا وتوجه إلى العراق حيث حاصر مدينة كربلاء المقدسة واقتحمها، فقتل فيها قتلا ذريعا لم ينج منها حتى الأطفال ونهبت خزائن من الذهب والجواهر النفيسة.
وفي سنة 1225هـ /1810م عاود الوهابية الكرة على النجف وكربلاء فقطعوا الطريق وأخذوا ينهبون الزوار وقتلوا منهم عددا كبيرا قدر بمائة وخمسين نفسا ما بين الكوفة والنجف.

وفي اليمن احتل الوهابيون صنعاء وأمعنوا فيها قتلا، ونهبوا خيراتها، ووضعوا لها إماماً من أتباعهم.

كما كان للوهابية حملات شرسة عديدة ضدَّ عمان.

هكذا كان المشهد في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، فهل يختلف كثيرا عما هو الآن في العراق وسوريا واليمن وليبيا حيث يوجد الفكر الداعشي؟

ربما يقال ان آلة القتل هي التي اخلتفت وحسب والتي لا شك انها اصبحت اكثر فتكا من قبل.

لكن الحق والحق اقول: إن آلة القتل ليست هي السيف ولا البندقية، كما انها ليست المدفع او الصاروخ.

ان آلة القتل الحقيقية التي قتل بها هؤلاء وما زالوا يقتلون بها هي ذلك الفكر التكفيري الوهابي، اما السيف والبندقية فهما مجرد تفصيل صغير ولا يقدمان ولا يؤخران شيئاً الا اذا وقعا في يد عقل وفكر يحترف الاجرام.
2014-08-15