ارشيف من :نقاط على الحروف
أوهن من بيت العنكبوت ( 1 / 2 )
نظّر موشيه يعالون لمصطلح "كيّ الوعي"، مع كلّ ما يحمله من عنجهيّة ربّتها عصابات الهاغاناه (1948)، وهزيمة 1967، واجتياح (1982) في الوعي الصّهيوني. بعد تحرير عام 2000، وانتصار تموز 2006، وبعد عبارة السيّد نصر الله الشهيرة "إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت"، لا يمكن للقارئ إلاّ أنّ يكتشف مدى تأثير الانهزام الصّهيوني على خطاب قادة الكيان وقادة المقاومة في آنٍ واحد. ومع هذا الخطاب انتقل الصّهاينة من كي الوعي إلى "الوعي الواهن".
يعتبر محرّر الشّؤون العبريّة في قناة المنار حسن حجازي أنّ الخطاب الصّهيوني هو في حقيقة الأمر على 3 أنواع:
1. خطاب داخلي باللّغة العبريّة يتضمّن رسائل تسعى لرفع المعنويات لكنّها تتنبّه للرأي العام الدّاخلي الذّي يمتلك حساً نقدياً، ولا يمكن استرضاؤه بسهولة.
2. خطاب موجّه للعدوّ (العرب، اللّبنانيين والفلسطينيين خاصةً) باللّغة العربيّة، ويحمل الكثير من التّهويل ويدخل في إطار الحرب النّفسيّة.
3. خطاب موجّه للرّأي العام العالمي خصوصاً في أوروبا والولايات المتّحدة الأميركيّة، وفيه رسائل محدّدة، غالباً ما تدور حول "المعاناة الإنسانيّة" في الكيان الصّهيوني، وعذاباته بسبب العرب "الكارهين له".
في الكيان الصّهيوني، يتقن المتحدّث نفسه أساليب الخطاب الثّلاثة للتّحدّث باسم مؤسسته. ومن المعروف أنّ العدوّ يمارس الحرب النّفسيّة عبر خطابه تجاه الجبهتين الدّاخليّة والخارجيّة. فكيف يتعامل مع ذلك؟ يعتبر حجازي أنّه "من الصّعب على جيش الكيان الغاصب الاعتراف بكفاءة حزب الله فيسميه عصابة أو منظّمة. ففي الوعي الصّهيوني النّديّة مستحيلة تجاه الجيش الذّي لا يُقهر". ويشير حجازي إلى أنّ الكيان الصّهيوني شهد في منتصف التّسعينيات جدليّة حول إطلاق تسمية "عصابة" على حزب الله.
بيت العنكبوت
"وبالرّغم من محاولة الصّهاينة التخفيف من وطأة ضربات الحزب، لكنّهم يعتمدون الشّفافيّة - قدر المستطاع - أمام الجبهة الدّاخليّة لأنّ الجمهور الصّهيوني يمتلك حساً نقدياً عالياً، ولأنّ حزب الله (قيادةً وعناصر) قدّم صورةً حضاريّةً بمصداقيّته وأسلوب تعاطيه مع الأسرى".
يستذكر حجازي اقتحام موقع الدّبشّة إذ "نفى المتحدّث باسم الكيان الصّهيوني يومها حصول العمليّة، لكنّ صور الفيديو التّي عرضها الإعلام الحربي في حزب الله فضحتهم" فاضطرّوا للاعتراف. كذلك يروي واقع الرّعب على الحدود الشّمالية بعد التّحرير " في إحدى المرّات اغتال جيش الاحتلال الإسرائيلي راعياً لبنانياً، فتوعّد السيّد نصر الله بالرّد". يومها "بات مستوطنو الشّمال في الملاجئ، بالرّغم من تطمينات قيادتهم. فهؤلاء أكّدوا أنّ "السيّد نصر الله لا يكذب" لذا لم يتراجعوا عن قرارهم بالاختباء".
اكتسبت المقاومة مصداقيّة استثنائيّة في لبنان وفي فلسطين المحتلّة "ففي الحرب المستمرّة على قطاع غزّة، طمأن رئيس الأركان الحالي مستوطني ناحل عوز أنّ الصّواريخ ستتوقّف عنّ السّقوط، غير أنّها عادت لتسقط بعد ذلك" فسقطت معها مصداقيّة الجنرال، يؤكّد حجازي.
التّحرير في الوعي الصّهيوني
خطب السيّد في مدينة بنت جبيل بعد اندحار الصّهاينة (26 أيّار 2000)، وقد استخدم يومها المفهوم القرآني فأسقطه على الكيان مردداً عبارته الشّهيرة «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت». هذه العبارة جعلت الخطاب يُعرف بـ «خطاب بيت العنكبوت»، وجعلت بنت جبيل تصبح "ستالينغراد" حزب الله في وعي العدوّ. فالسيّد حوّل بأربع كلمات "دولة الجيش الذّي لا يُقهر" - 4 كلمات أيضاً للمصادفة- إلى خيوط مشرذمة "واهنة" لا مجال لإعادة وصلها وإحيائها.
كانت العبارة غاية في البلاغة والقسوة على الوعي الصّهيوني، إذ أسّست لمفهوم ما تخيّله الصّهاينة يوماً وهو "نهاية الكيان". وبعدها باتوا يتحدّثون عن "نظرية بيت العنكبوت". هذه العبارة كانت حافزاً ليحاول الجيش الإسرائيلي احتلال بنت جبيل - ستالينغراد 3 مرّات دون جدوى أثناء حرب تمّوز.
أمّا أفراييم سنيه، نائب وزير الحرب السّابق، فصرّح أنّ "أحد انعكاسات خروج الصّهاينة من لبنان عام 2000 هو رسالة الضعف التي بثثناها إلى المحيط: نحن نهرب من مكان ننزف فيه"، معترفاً أنّه بعد شهر على الانسحاب، قال له ياسر عبد ربه "أنتم الإسرائيليون يجب أن يتمّ التحدث معكم فقط باللّغة اللبنانية، فهي اللغة الوحيدة التي تفهمونها".
أنّ يسمع سنيه ما سمعه، يعني أنّ تُضرب العنجهيّة الصّهيونيّة مرةً أخرى. فالوقوف أمام حقيقة أنّ "المستحيل قابل للتّحقق"، وأنّ لبنان الذّي يمكن أنّ "تحتله فرق الفتيات في الجيش الإسرائيلي" هو نفسه لبنان الذّي فرّ الجيش الصّهيوني منه فراراً لهو أمرٌ أكثر من صاعق على الوعي الصّهيوني.
ففي عام 2010 صرّح العميد نوعام بن تسفي، آخر ضابط إسرائيلي تولى قيادة المنطقة الغربية في جنوب لبنان، أنّ "الوصف الصحيح لخروج القوات الإسرائيلية من لبنان قبل عشر سنوات أنّه لم يكن خروجاً ولا انسحاباً، وإنما كان هذا هروباً، لا أكثر ولا أقل". بعد 52 عاماً من احتلال فلسطين، تخيّل أنّ تسمع، لا بلّ ستسمع، ضابطاً صهيونيًّأ يتحدّث عن الفرار لا الهجوم. فقد أكّد سنيه أنّه "كان هروباً لم يتم التخطيط له فيما حزب الله يطلق علينا نيراناً مركّزة وتم هناك التنازل عن قيم تربينا عليها كجنود".
إنتصار تمّوز 2006 وعقدة بيت العنكبوت الأبديّة
أورد قائد المنطقة الشمالية السابق الجنرال عميرام ليفين أنّ "الحماقة تبقى حماقة، حتى لو تكللت بالنجاح". عبارة ليفين وردت في تقرير أعدّه لتقييم حرب تموز 2006، اعتبر فيه أنّ "حزب الله أفشل عملية النقل الجويّة الأكبر في تاريخ إسرائيل".
أمّا قائد المنطقة الشمالية، الجنرال غادي آيزنكوت، فصرّح أنّ "حرب تموّز 2006 أزالت عن إسرائيل صفة بيت العنكبوت"، في إحياء الذكرى الثالثة لقتلى جيش الاحتلال الصّهيوني. فبالرّغم من هزيمة هذا الجيش في احتلال بنت جبيل، ولو لدقائق، بقي التّعبير حاضراً بقوّة في وعي قادة العدوّ. هذا الحضور حفّز، ويحفزّ فيهم "الثّأر" لقتلاهم، فهل يحققون حلمهم بعد انتصار لبنان (2000, 2006)، وغزّة (2014) أم أنّ ما بعد الانتصار ليس كما قبله؟
بين خطاب غولدا مائير وباراك الهزيمة هي المفتاح
بعد هزيمة أكتوبر 1973 صرّحت رئيسة الوزراء السّابقة غولدا مائير أنّ الحرب "كانت كارثة ساحقة و كابوساً" سيظل باقياً معها على الدّوام. و"سوف أحيا بهذا الحلم المزعج بقية حياتي. و لن أعود مرة أخرى نفس الإنسان الذّي كنته قبل حرب يوم كيبور (الغفران)"، و"كنّا نقاسي من انهيار نفسي عميق".
مائير التّي وصفها بن غوريون بأنّها "الرّجل الوحيد في الحكومة الإسرائيليّة"، صرّحت بما صرّحت به عام 1973 أي بعد 25 عاماً على تأسيس الكيان. وقد قالت "وجدت نفسي فجأة أمام أعظم تهديد تعرضت له إسرائيل منذ إنشائها ولم تكن الصدمة فقط في الطريقة التّي كانوا يحاربوننا بها ولكن أيضا لأن عدداً من المعتقدات الأساسية التي آمنا بها قد انهارت أمامنا، فلقد آمنا باستحالة وقوع حرب في شهر أكتوبر".
أمّا وزير الدفاع الإسرائيلي باراك فصرّح بعد ثلاث سنوات بعد عدوان تمّوز 2006 أنّ "الوضع على الحدود الشمالية لا يزال متفجراً"، وأنّ "حرب لبنان الثانية تكمن في الوعي الجماعي الإسرائيلي بوصفها هزّةً تفتح الأعين". بالرّغم من إقرار باراك بالهزيمة، فإن سياسة الاستعلاء الكامنة في العقل الصّهيوني جعلته يصرّح بأنّ "يد إسرائيل ستكون متأهبة على الزناد في الوقت الذي تسعى فيه اليد الأخرى إلى السلام" تأكيداً على كليشيه السّلام من جهة، وتخفيضاً لسقف الخطاب من جهة أخرى.
وقد صرّح باراك أنّ "إسرائيل شنّت حرب لبنان في تموز 2006 وهي لم تكن جاهزةً، ومهيأةً لها"، فالحرب "كانت نقطة انطلاق جبّارة في تعاظم قوة حزب الله، وشارون والقيادة الإسرائيلية لم يتصرّفا بحكمة حيالها".
ويعتبر باراك أنّ القرار 1701 "لم يسرِ، وليس ساريا ً، ولن يسري. إنه قرار فاشل" مستشهداً بنظرية بن غوريون "ينبغي تجنب الحرب أو تأجيلها، ولكن إذا فرضت، يجب أن ننتصر بها بشكل حاسم على أرض العدو وفي خلال وقت قصير"، نظريّة ذكّر بها الأمين العام لحزب الله.
أنّ تراقب مستوى وسقف الخطاب الصّهيوني يعني أن تنظر إلى خطّ بيانيّ يتدهور بقوّة. خطاب نزل من عرش "لا يُقهر" إلى حضيض "فررنا"، فأيّ خطاب نتوقّع بعد انتصار غزّة أو بعد حربٍ محتملة على لبنان؟