ارشيف من :آراء وتحليلات

حصار غزة البحري في عين القانون الدولي

حصار غزة البحري في عين القانون الدولي
لا شك أن فلسطين تعتبر أراضي محتلة، وتحكم العلاقة بين الاحتلال وبين هذه الأراضي اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وخاصةً الإتفاقية الرابعة وقانون الإحتلال الحربي، ما يلقي على الاحتلال التزام حفظ حياة السكان وسلامتهم، وحظر ارتكاب أي جرائم ضدهم سواء في البر أو البحر أو في الجو، كما يتحمل الإحتلال مسؤولية السماح بإدخال المعونات الإنسانية والسماح بالعمل في البحر كما في البر.

ويشمل إقليم الدولة بالإضافة إلى اليابسة والجو المساحات المائية المشمولة بالسيادة الإقليمية للدولة، وتنقسم المياه في الدولة إلى ثلاثة أنواع (هي: المياه الداخلية للدولة والتي تقع داخل إقليم الدولة اليابسة، ثم تليها مياه البحر الإقليمي للدولة، وهذا الامتياز محصور في الدول المشاطئة للبحار. ثم المناطق المتاخمة، والتي يليها أعالي البحار، وهي مياه لا تخضع لسيادة أي من الدول).

وتعتبر المياه الواقعة على الجانب المواجه للبر من خط الأساس للبحر الإقليمي جزءا من المياه الداخلية للدولة، وتشمل المياه الداخلية في معناها القانوني الموانئ والأرصفة والمراسي والبحيرات والأنهار، ونصت اتفاقية جنيف البحرية المبرمة عام 1958 في المادة الخامسة على "أن المياه الواقعة على الجانب المواجه للبر من خط الأساس للبحر الإقليمي تشكل جزءاً من المياه الداخلية للدولة". وهو ما أكدته اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المبرمة في عام 1982 في المادة 8 منها.

أولاً: البحر الإقليمي لقطاع غزة

يعرف البحر الإقليمي بأنه جزء من البحر يتصل بإقليم الدولة، وقد حددت اتفاقية جنيف 1958 سيادة الدولة بانها تمتد خارج اقليمها ومياهها الداخلية إلى منطقة من البحر ملاصقة لشواطئها تعرف باسم البحر الإقليمي، الذي يقع خارج المياه الداخلية للدولة، ويمكن القول ان البحر الاقليمي هو جزء من إقليم الدولة الساحلية مغمور بالمياه. وتؤكد المادة 3 من اتفاقية قانون البحار لعام 1982 أن "لكل دولة الحق في أن تحدد عرض بحرها الإقليمي بمسافة لا تتجاوز 12 ميلا بحريا مقيسة من خطوط الأساس المقررة وفقاً لهذه الاتفاقية"، وتقول المادة 4 إن "الحد الخارجي للبحر الإقليمي هو الخط الذي يكون بعد كل نقطة عليه عن أقرب نقطة على خط الأساس مساوياً لعرض البحر الإقليمي".

حصار غزة البحري في عين القانون الدولي
غزة تحت الحصار

ويعد الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، والملاصق لقطاع غزة، جزءاً من القطاع وفقاً لقواعد القانون الدولي، فقد نصت المادة 2 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، على أن تمتد سيادة الدولة الساحلية خارج إقليمها البري ومياهها الداخلية، إلى حزام بحري ملاصق يعرف بالبحر الإقليمي، وتمتد مياه البحر الإقليمي الفلسطيني على طول الشريط الساحلي بمحاذاة قطاع غزة من منطقة بيت لاهيا شمالاً حتى مدينة رفح جنوباً على خط فيلادلفيا بين مصر وقطاع غزة، وتمتد المسافة في داخل البحر الأبيض المتوسط لتصل إلى 12 ميلاً بحرياً.
ويشمل نطاق سيادة الدولة على بحرها الإقليمي السيادة على قاع هذا البحر إلى ما لانهاية في العمق، ويشمل أيضاً السيادة على طبقات الجو والهواء التي تمتد فوق سطحه إلى ما لا نهاية في الارتفاع. وينتج عن ذلك ما يسمى بحق الدولة في قصر الملاحة الشاطئية والصيد في حدود البحر الإقليمي على رعاياها.

وبالتالي من حق الدولة الفلسطينية استخدام شواطئها كما ينص عليه قانون البحار، سواء في الضفة الغربية او في قطاع غزة، وعلى الإحتلال أن يراعي هذه المسألة فهي من حق الإقليم المحتل، وبالتالي من حق الفلسطينيين إستخدام قطاع غزة كممر للمساعدات الإنسانية والتجارة واستقبال السفن والسفر وصيد الأسماك.

ثانياً: الحصار البحري الصهيوني

يعتبر الحصار البحري عملاً حربياً ينفذ بواسطة السفن الحربية وقد يتراوح الحصار البحري من حصار لميناء واحد إلى حصار كامل الساحل. ويفرض الاحتلال حظراً كاملاً وحصاراً شاملاً على غزة، كما أنه يمنع وصول أية إمدادات إنسانية من خلال المعابر الفاصلة بين غزة والأراضي التي احتلتها القوات الصهيونية، كما يمنع الاحتلال تزويد غزة بالغاز والكهرباء والطاقة. والحصار البحري يفرضه الإحتلال على السفن الأجنبية التي تحمل مساعدات أو معدات إلى قطاع غزة كما يفرضه على الصيادين الذين يشكل الصيد مصدر معيشتهم. وسكان غزة لا يتمتعون بحرية الوصول إلى البحر. وعلى كل فلسطيني معني بالإبحار في البحر أن يطلب إذنا من "إسرائيل"، والإبحار يكون فقط على مسافة محددة، وقد قتل الإحتلال العديد من الصيادين.

ولا يتقيد الإحتلال بالاتفاقية التي وقعها مع منظمة التحرير الفلسطينية، حيث تعهدت "إسرائيل" بالسماح لسفن الصيد من غزة بالإبحار إلى مسافة 20 ميلاً بحرياً تقريبا (حوالي 37 كيلومتر) من خط الشاطئ، باستثناء بعض المناطق التي حظر الوصول إليها مطلقاً. ولكن سلطات الإحتلال عملت عكس ذلك وأخذت تقلص هذه المسافة حتى وصلت إلى ثلاثة أميال فقط.

ويصنف هذا الحصار والحظر البحري الصهيوني في أعمال الحرب، وانتهاكات خطيرة لالتزامات الاحتلال بموجب اتفاقية جنيف الرابعة وللبرتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقات جنيف الأربع.

وقد انتهك الاحتلال بهذه الأفعال بشكل محدد المادة 10 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر أي عمل لا يقصد به حماية الأشخاص المدنيين وإغاثتهم، وتلزم المادة 23 كل الأطراف في هذه الاتفاقية بأن يكفلوا حرية مرور جميع رسالات الأدوية والمهمات الطبية ورسالات الأغذية الضرورية والملابس واحتياجات الأطفال والحوامل.

ما يقوم به الإحتلال الإسرائيلي مخالف للقانون الدولي
كما يترتب على ذلك أن منع الصيد واعتراض الاحتلال لسفن الإغاثة في المياه الدولية جريمة مزدوجة، وأن سيطرته على هذه السفن والتحكم في وجهتها يعتبر عملاً من أعمال القرصنة وفقاً للمادة 101 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، كما أنها جريمة ومخالفة جسيمة لالتزامات الاحتلال وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة. كما لا يجوز للاحتلال أن يعترض هذه السفن في المياه الإقليمية لغزة لأن ذلك يعتبر تعدياً صارخاً على المياه الاقليمية لفلسطين ومخالفاً للاتفاقيات الدولية، لا سيما الإعلان العالمي حول التقدم والإنماء في الميدان الاجتماعي، و"العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" والتي تنص على أنه: "يقتضي الإنماء الاجتماعي، أن يكفل لكل إنسان حق العمل وحرية اختيار العمل إمكانية كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية..".

إن كل ما يقوم به الإحتلال الإسرائيلي يعتبر مخالفاً للقانون الدولي، ولكن لا أحد ممن يدعي الحرص على هذا القانون يقوم حتى بانتقاد العدو الصهيوني، وما قامت به المقاومة في غزة يعتبر خير أداة لإعادة الحقوق للفلسطينيين في القطاع، خاصةً في المياه البحرية الفلسطينية، حيث تطالب فصائل المقاومة الفلسطينية اليوم بتوسيع منطقة صيد الاسماك التي تفرضها على صيادي غزة الى ستة أميال (عشرة كيلومترات) ومن ثم إلى 12 ميلاً بحرياً.

2014-08-19