ارشيف من :آراء وتحليلات

معركة عرسال برسم جماعة ’النأي بالنفس’!

معركة عرسال برسم جماعة ’النأي بالنفس’!

"أعطني قليلاً من الشرفاء وأنا أحطم لك جيشاً من المفسدين والعملاء"
جان جاك روسو


بثقة يعلن رئيس الحكومة عن رفض حكومته "مجتمعة أي حل سياسي في المواجهة مع الارهابيين وبدعم مطلق للجيش الى حدود اعلان التعبئة الكاملة لتوفير كل مستلزمات هذا الدعم". وإذا بالتعبئة العامة هي وفد ما يسمى "علماء المسلمين"!. رفضت الحكومة ظاهرياً مبدأ التفاوض مع المسلحين، لكن من الوجهة العملية قبلت به !. فيما بدا أنه مخاتلة سياسية ومساس بجدية الدولة وهيبتها، لا سيما مع (دفش) " هيئه العلماء " لمقابلة قائد الجيش في خطوة خبيثة توحي بأن المؤسسة العسكرية راضية بهذه الوساطة !!. ومن جهة أخرى فإن ما سبق يقود للاستنتاج بأن الدولة مقرة من جهة أخرى بوجود صلة ما بين "هيئة العلماء" والمسلحين ، وبأن للهيئة المذكورة (داليه) عليهم !.

معركة عرسال برسم جماعة ’النأي بالنفس’!
الجيش اللبناني في عرسال

وهنا نتوقف لكي نستنتج وبهذا القدر من البينة الصريحة بأن الدولة تعتمد ازداوجية خطيرة في المعايير، فهي في مكان تسلم بوجود هذا الارتباط بين جهة داخلية وبين ارهابيين هم عدو حقيقي للبنان يستهدفون أمنه وكيانه وجرى ويجري في مكان آخر مطاردتهم من قبل الأجهزة اللبنانية. لكن لا عجب ولا عتب إذا كان حال بعض النواب كذلك. خالد الضاهر ومعه جوقة ضمّت "اللقاء الوطني الإسلامي" و"هيئة علماء المسلمين" و"الجماعة الإسلامية" ، النائب معين المرعبي، العقيد المتقاعد عميد حمود، وغيرهم طرحوا مبادرة من خارج السياق الرسمي وبحركة مناقضة لموقف الرئيس تمام سلام ـ في الظاهر على الاقل!- مطالبين بعقد هدنة بين الجيش والمسلحين وعلى قاعدة أن الحل في عرسال "يجب أن يكون سياسياً". مقابل تسليم الاسرى. بدا واضحا أن هذا الجمع من رسميين وغير رسميين هم الوجه الآخر للارهاب , وجهه الدبلوماسي الذي يتحرك (ليستثمر) حركته العسكرية. المفارقة أنه جاء هذه المرة ليمتص خيبات هذا الارهاب في الميدان بعد أن تدخل الجيش بنجاح مستوعباً هجومهم ثم كبحه. وبعد أن فوجىء الكثيرون بهذا الايقاع الميداني الرفيع المستوى بين الجيشين اللبناني والسوري. والذي كان له الدور الأكبر في تغيير وجه الخطة المزمع تنفيذها. الأمر الذي ما زال خارج التغطية الاعلامية والذي يستوجب الإقرار به إنصافاً للحقيقة. وهنا لا بد من كشف تفاصيل مهمة فقد كانت الخطة الموضوعة تهدف إلى ابعد من احتلال عرسال.

الهجوم على عرسال

أما البداية فهي من هذه الأخيرة لتكون منصة أو نقطة ارتكاز لهجوم أوسع. بدأ الهجوم على عرسال على ثلاثة محاور :
وادي الحصن ووادي عطا بإمرة " داعش" ؛ المهنية وثكنة 83 وتلة السرج بإمرة "جبهة النصرة" ؛ وادي الرعيان بإمرة «لواء الحق» و"الجبهة الإسلامية"، فيما تولّت بعض الفصائل المسلّحة الصغيرة الربط بين الجبهات وتأمين المستلزمات العسكرية واللوجستية والتدخل عند الحاجة بأمر من غرفة العمليات المشتركة. لكن المفاجأة كانت في التصدي السريع من الجيش اللبناني كما ذكرنا والذي وفر له الجيش السوري من جانبه الاستطلاع الذي مكن المدفعية اللبنانية من تحقيق مقاتل في المهاجمين ومنعهم من الاستيلاء على التلال الإستراتيجية المحيطة بعرسال واكبه تدخل سريع من وحدات النخبة في الجيش. غير أن عنصر المفاحأة مكن المهاجمين من اسر عدد من أفراد الجيش وقوى الأمن.

وحيال هذه النتائج المفاجئة طلب "ابو دجانة الفلسطيني" القائد العسكري لداعش في الميدان إمداده بألفي عنصر حتى يتمكن من تطوير الهجوم. وبالفعل حركت داعش قواتها في اليوم الثاني اي الأحد في 3 آب من مواقعها في ريف حماة الشمالي الشرقي.. وهنا تدخل الطيران السوري وضرب ارتال المجموعات المتحركة محبطاً إمكانيات تطوير الهجوم. انتظرت جبهة "النصرة" ما كان قد وعد به ابو دجانة ولما لم يتحقق بدأت الشكوك تساور قائد "النصرة" المُسمى "ابو طلال التل" وغيره من قادة الألوية الأخرى المشاركة وانتهى الأمر باجتماع عاصف بينهم في اليوم الثالث تقرر فيه الانسحاب من عرسال بعد أن أدركت الفصائل بأن البلدة التي كانت سنداً لهم اصبحت في الغالب ضدهم جراء الممارسات التي ارتكبتها داعش فيما كانت قبل ايام منفذاً لهم ، استطراداً وفي ذات السياق فإن تعرض"هيئة العلماء" لاطلاق الرصاص عليها جاء في معمعان هذا الخلاف بين النصرة وداعش فيما كانت الأخيرة لا تزال تكابر على البقاء في البلدة.

 هدف "داعش" ملاقاة خلاياها النائمة في الشمال وصولاً إلى البحر
غير أن المفيد هنا أن نلفت أصحاب "نظرية النأي بالنفس" ، أنه لولا تدخل القوات السورية طيراناً ومدفعيةً قاطعةً طريق الامداد عليها , ولولا الاستطلاع الدقيق الذي تولته راصدةً حركة المسلحين في خطوطهم الخلفية غرباً ما مكن مدفعية الجيش اللبناني من تحقيق إصابات دقيقة , لولا ولولا.. ومنه ما هو معلوم , وربما المستور أكثر لكان المشهد مختلفاً. فلأول مرة منذ بدء الصراع تتآلف داعش مع النصرة مع الفصائل الأخرى التي كان بينها بحر من المجازر والثارات لتحقيق هدف واحد هو التقدم باتجاه وسط البقاع الشمالي في استراتيجية مدروسة هدفها على المدى المتوسط ملاقاة خلاياهم النائمة في الشمال وصولاً إلى البحر وهو هدف حيوي (لدولة) داعش التي تفتقر إلى منفذٍ بحري!.

فشل المخطط على الأقل مؤقتاً. فخرجت هذه الفصائل بأىسرى من أفراد الجيش في خطوة لمبادلتهم بموقوفين من جماعاتهم الارهابية. لكن تظل الخطيئة الكبرى من الدولة عندما قبلت مفاوضة المسلحين. هذا في المبدأ , فكيف وفي تفاوض مذل مبني على قاعدة التكافؤ بين السلطة والمجرم. وهنا نشير إلى أن ما سمي (بمبادرة) "هيئة العلماء" تضمنت ثلاثة بنود أخطرها : " اطلاق المخطوفين و الموقوفين لدى الطرفين"!!!. -انظروا إلى الصيغة : "الطرفين"!! -. لقد كان هذا قمة المساس بكرامة ومعنويات الجيش , وبكل القيم التي تقوم عليها الدولة بوصفها حامية وراعية لمواطنيها. لكن هذا في الدولة عندما يكون لها نواطير , أما لبنان فقد غاب عنه نواطيره ليبقى الجيش اللبناني يتيماً: ناطوراً على اللادولة !!!.. حالة منعزلة ، وغير مسبوقة!.

*عضو الأمانة العامة للحركة الوطنية للتغير الديمقراطي
2014-08-19